وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها. ثم قال: فالمراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح. ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم:
«أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله.» والمعنى: أكمل علماً وعملاً. هـ.
قال المحشي: ويتجه كون المعنى: أيكم أكثر شكراً لله على تمهيد تلك المنافع والمصالح. والشكر يشمل الطاعات القلبية والبدنية. ويحتمل أنه كآية: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (?) . وأن بقاء الدنيا وخلقها إنما هو للتكليف، فإذا لم يبق في الأرض مَن يعبد الله انقضت الدنيا، وجاءت الساعة، كما تقتضيه الأحاديث الصحاح (?) والمتبادر ما قدمناه، وحاصله: أنه خلق الأشياء من أجل ابن آدم، ولتدله على خالقه فيجني بها ثمار معرفته تعالى، ويعترف بشكره، وإفراد عبادته. وقد جاء. «خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي» .
قلت: فيكون المعنى: هو الذي أظهر الوجود من عرشه إلى فرشه، ليختبركم أيكم أحسن عملاً بالاشتغال بالله، والعكوف في حضرته دون الوقوف مع ظاهر الكون، والاشتغال بحسه، مع كونه خُلق من أجله. ثم قال: وقوله تعالى: (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ... ) الآية، هو: تنبيه على أن إنكار الكفار للبعث بعد إقرارهم بأن الله تعالى خالق العالم، الذي هو أعظم من البعث، تناقض منهم لأن إقرارهم بقدرته على الأكبر، ثم إنكارهم لما هو أيسر تناقض هـ أي: ولئن ذكرت لهم البعث بعد الموت لقالوا ما هذا إلا سحر ظاهر. أي: ما البعث أو القول به، أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان. وقرأ حمزة ساحر أي: القائل بهذا. والله تعالى أعلم.
الإشارة: في صحيح البخاري قال صلّى الله عليه وسلّم: «كان الله ولا شيء مَعه، وكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء» الحديث.
فأخبر صلّى الله عليه وسلّم أن الحق جل جلاله كان في أزله لا شيء معه، ثم أظهر الأشياء من نوره بنوره لنوره، فهو الآن على ما كان عليه. وعن أبي رَزِينٍ: قلنا: يا رسول الله! أين كان ربُّنَا قَبْل أنْ يَخْلُقَ خَلقَهُ؟ قال: «كَان في عَمَاءٍ ما فَوْقَه هَوَاءٌ، ومَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وخَلَق عَرشَه عَلَى المَاءِ» (?) والعماء هو: الخفاء، قال تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ (?) ، أي: خفيت. ويقال للسحاب عماء لأنه يخفى ما فيه، وقال الششتري: في المقاليد (?) : كان في عمّى، ما فوقه هواء وما تحته هواء. هي الوحدة المُصْمتة الصّمدية، البحر الطامس (?) الذي هو الأزل والأبد، فلم يكن موجود غير الوجود الذي هو هو. هـ.