وقال الورتجبي عند قوله: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ: الله تعالى يدعو العبادَ من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية، لئلا يفتنوا بزخرفها وغرورها، وليصلوا إلى جواره ونعيم مشاهدته. هـ.
قال المحشي: قلت: وذلك أن أعلى اللذات التحقق بصفات الربوبية، وهي محبوبة للقلب والروح بالطبع، لما فيه من المناسبة لها. ولذلك قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي «1» ، ثم المناسب إنما هو بقاء لا فناء فيه، وعز لا ذل فيه، وغنى لا فقر فيه، وكمال لا نقص فيه، وأمن لا خوف فيه، وهذا كله من أوصاف الربوبية، وحق كل عبد أن يطلب ملكاً عظيماً لا آخر له، ولا يكون ذلك في الدنيا لانصرافها وشوبها بآلام مكدّرات، وإنما ذلك في الآخرة، ولكن الشيطان بتلبيسه وحسده يدعو إلى ما لا يدوم من العاجلة، متوسلاً بما في الطبع من العجلة، والله يدعو إلى المُلك الحقيقي، وذلك بالزهد في العاجل والراحة منه عاجلاً، ليكون ملكاً في الدنيا، وبالقرب من الله والرغبة في التحقق به وبأوصافه ليكون ملكاً في الآخرة.
وفي الطيبي: قيل لابن أدهم: مالنا ندعو فلا نجاب؟ فقال: لأنه دعاكم فلم تُجيبوه، ثم قرأ: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ، وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا «2» . هـ.
ثم فسَّر ما دعا إليه، فقال:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26)
يقول الحق جلّ جلاله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فيما بينهم وبين ربهم بتوحيده وعبادته، وفيما بينهم وبين عباده بكف أذاهم وحمل جفاهم، لهم الْحُسْنى أي: المثوبة الحسنى، وهي الجنة وزيادة، وهي النظر إلى وجهه الكريم، أو الحسنى: ما يثيب به على العمل، والزيادة: ما يزيد على ما يستحق العبد تفضلاً كقوله:
وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ «3» ، أو الحسنى: مثل حسناتهم، والزيادة: التضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة أو أكثر، وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ: لا يغشاها قَتَرٌ: غبرة فيها سواد تغبر الوجه وَلا ذِلَّةٌ أي: هوان، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار، أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك من خزي وسوء حال، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ: دائمون، لا زوال لهم عنها، ولا انقراض لنعيمها، بخلاف الدنيا وزخارفها فقد تقدم مثالها.