عنهم بالكلية، وهو مثل لشدة الحيرة. وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ من فرط الوحشة والغم، وَظَنُّوا أي:
علموا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ اي: من سخطه إِلَّا إِلَيْهِ أي: إلا إلى استغفاره والرجوع إليه، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ بالتوفيق بالتوبة، لِيَتُوبُوا بإظهارها والدوام عليها، وليعدوا من التوابين، إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ لمن تاب، ولو عادوا في اليوم سبعين مرة، الرَّحِيمُ متفضل عليهم بالنعم التي لا تحصى.
الإشارة: قال الورتجبي: التوبة توبتان: توبة العبد، وتوبة الله، توبة العبد: الرجوع من الزلات إلى الطاعات، وتوبة الله: رجوعه إلى العبد بنعت الوصال، وفتح باب المآب، وكشف النقاب عن الاحتجاب، وطلب العتاب.
إذا مَرِضنا أَتَينَاكُم نَعُودكُمُ ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذُر.
انظر لطف الله بنبيه وأصحابه، كيف تاب لأجلهم مكان توبتهم، رجع إليه قبل رجوعهم إليه، ليسهل عليهم طريق الرجوع إليه، فرجوعه إلى نبيه بكشف المشاهدة، ورجوعه إليهم بكشف القربة، فتوبته للنبى صلّى الله عليه وسلّم من غيبته عن المشاهدة باشتغاله بأداء الرسالة، وتوبة القوم من غيبتهم عن ملاحظة الحضرة، فلما ذاقوا طعم الجنايات، واحتجبوا عن المشاهدات أدركهم فيض الوصال، وانكشف لهم أنوار الجمال، وهكذا سنة الله في الأنبياء والأولياء، إذا ذابوا في مقام الامتحان، وبقوا في الحجاب عن مشاهدة الرحمن، تمطر عليهم وبل سحاب الكرم، ويلمع لأبصار أسرارهم نور شرف القدم فيؤنسهم بعد إياسهم، ويوصلهم بعد قنوطهم. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا «1» ، وقال تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ... الآية «2» . ثم قال عن بعضهم: توبة الأنبياء في مشاهدة الخلق في وقت الإبلاغ إذ الأنبياء لا يغيبون عن الحضرة، بل لا يحضرون في مواضع الغيبة لأنهم في عين الجمع أبداً. هـ.
قال المحشي: وحاصلة: توبة الله المذكورة وَهبيةٌ، وهي في كل أحد على حسب ما يليق بمقامه، وإنما يليق بمقام الرسل ترقيته عن مقام إلى أعلى، أو من شعور بخلق لأجل الإبلاغ، إلى الغيبة عن ذلك، وكذلك أبداً كأهل الجنة. هـ.
ثم حضَّ على الصدق، فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ بالمحافظة على ما أمركم به، والانكفاف عما نهاكم عنه، وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ في إيمانهم وأقوالهم وأفعالهم وعهودهم.