وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ. والموعدة التي وعدها إياه قوله: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ «1» . أي: لأطلبن المغفرة لك بالتوفيق للإيمان، فإنه يجب ما قبله.
والمعنى: لا حجة لكم في استغفار إبراهيم لأبيه، فإن ذلك لم يكن إلا لوعد تقدم بقوله: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ..
الخ. فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ بأن مات على الكفر، أو أوحى إليه بأنه لن يؤمن، تَبَرَّأَ مِنْهُ بأن قطع استغفاره له، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ أي: لكثير التأوه، وهو كناية عن فرط ترحمه، أو كثير الدعاء، أو مؤمن، أو فقيه، أو كثير الذكر لله، أو كثير التأوه من خوف الله، حَلِيمٌ صبور على الأذى، والجملة: لبيان ما حمله على الاستغفار.
الإشارة: الشفاعة لا تكون فيمن تحقق غضب الله عليه، فإن ذلك من سوء الأدب، كالدعاء بالمحال، وأما من لم يتحقق غضبه عليه فالشفاعة فيه مرغب فيها. قال عليه الصلاة والسلام: «اشفَعُوا تُؤجَروا» «2» ، والاستغفار شفاعة. وقد ورد في الخبر: «مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات خمساً وعِشرين مرة كتب من الأبدال» .
والشفقة مطلوبة، ما لم يظهر مراد الله من خلقه، فإن برز من عنصر القدرة شيء من القهريات، فالتسليم لمراده تعالى أحسن، فالله ارحم بعباده منك أيها الشفيق، وسيأتي عند قوله تعالى: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ «3» ، وبالله التوفيق.
ثم عذر نبيه فى استغفاره لعمه قبل النهى، أو من استغفر من المسلمين لأسلافهم المشركين، فقال:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)
يقول الحق جلّ جلاله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً أي: يسميهم ضلالاً، ويؤاخذهم مؤاخذتهم، بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ للإسلام، حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ أي: حتى يُبين لهم خطر ما يجب اتقاؤه، فإن خالفوا بعد