بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
الْحَطَبُ مَعْرُوفٌ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَحْطِبُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا وَشَى عَلَيْهِ. الْجِيدُ: الْعُنُقُ.
الْمَسَدُ: الْحَبْلُ مِنْ لِيفٍ، وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ: لِيفُ الْمُقْلِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ شَجَرٌ بِالْيَمَنِ يُسَمَّى الْمَسَدَ، انْتَهَى. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ وَمِنْ أَوْبَارِهَا. قَالَ الرَّاجِزُ:
وَمَسَدُ أَمْرٍ مِنْ أَيَانِقَ وَرَجُلٌ مَمْسُودُ الْخَلْقِ: أَيْ مَجْدُولُهُ شَدِيدُهُ.
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا دُخُولَ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، أَتْبَعَ بِذِكْرِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الدِّينِ، وَخَسِرَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنِ الْإِيمَانِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى التَّبَابِ فِي سُورَةِ غَافِرٍ، وَهُنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَابَتْ، وَقَتَادَةُ: خَسِرَتْ، وَابْنُ جُبَيْرٍ:
هَلَكَتْ، وَعَطَاءٌ: ضَلَّتْ، وَيَمَانُ بْنُ رِيَابٍ: صَفِرَتْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى. وَقَالُوا فِيمَا حَكَى أَشَابَّةٌ: أَمْ تَابَّةٌ: أَيْ هَالِكَةٌ مِنَ الْهَرَمِ وَالتَّعْجِيزِ. وَإِسْنَادُ الْهَلَاكِ إِلَى الْيَدَيْنِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِهِمَا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلنَّفْسِ، كَقَوْلِهِ: ذلِكَ بِما