الْمُفْرَدِ، أَيْ وَمُذَلَّلَةً، وَعَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ كَانَ مِنْ عَطَفَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً عَلَى جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ وَقَدْ ذُلِّلَتْ رُفِعَتْ دَانِيَةً أَوْ نُصِبَتْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا، قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً، وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا، عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا، وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً، وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً، عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً، إِنَّ هَذَا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا، إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا، نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا، إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا، وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً، يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. لَمَّا وَصَفَ تَعَالَى طَعَامَهُمْ وَسُكْنَاهُمْ وَهَيْئَةَ جُلُوسِهِمْ، ذَكَرَ شَرَابَهُمْ، وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْآنِيَةِ الَّتِي يُسْقَوْنَ مِنْهَا، وَالْآنِيَةُ جَمْعُ إِنَاءٍ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْأَكْوَابِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ: قَوَارِيرًا قَوَارِيرًا بِتَنْوِينِهِمَا وَصْلًا وَإِبْدَالِهِ أَلِفًا وَقْفًا وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ: بِمَنْعِ صَرْفِهِمَا وَابْنُ كَثِيرٍ: بِصَرْفِ الْأَوَّلِ وَمَنْعِ الصَّرْفِ فِي الثَّانِي. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذَا التَّنْوِينُ بَدَلٌ مِنْ أَلِفِ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ فَاصِلَةٌ، وَفِي الثَّانِي لِاتِّبَاعِهِ الْأَوَّلِ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ سَلَاسَلًا بِالتَّنْوِينِ: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ، أَجْرَى الْفَوَاصِلَ مَجْرَى أَبْيَاتِ الشِّعْرِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَدْخُلُ التَّنْوِينُ فِي الْقَوَافِي الْمُطْلَقَةِ إِشْعَارًا بِتَرْكِ التَّرَنُّمِ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
يَا صَاحِ مَا هَاجَ الدُّمُوعَ الذُّرَّفَنْ فَهَذِهِ النُّونُ بَدَلٌ مِنَ الْأَلِفِ، إِذْ لَوْ تَرَنَّمَ لَوَقَفَ بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ. مِنْ فِضَّةٍ: أَيْ مَخْلُوقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَمَعْنَى كانَتْ: أَنَّهُ أَوْجَدَهَا تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ: كُنْ فَيَكُونُ (?) تَفْخِيمًا لِتِلْكَ الْخِلْقَةِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ بَيَاضِ الْفِضَّةِ وَنُصُوعِهَا وَشَفِيفِ الْقَوَارِيرِ وَصَفَائِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: كانَ مِزاجُها كافُوراً. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: قَوَارِيرُ مِنْ فِضَّةٍ بالرفع، أي هو قرارير. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قَدَّرُوها مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالضَّمِيرُ لِلْمَلَائِكَةِ، أَوْ للطواف عليهم،