لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِيهِ نَفْسًا إِيمَانُهَا وَإِمَّا حَالُ الْمَرَضِ وَالْهَرَمِ وَالْمُعْجِزَةِ. وَقَدْ كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ مِمَّا بِهِمُ الْآنَ. فَذَلِكَ إِمَّا لِشِدَّةِ النَّازِلَةِ بِهِمْ مِنْ هَوْلِ مَا عَايَنُوا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِمَّا مِنَ الْعَجْزِ وَالْهَرَمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى السُّجُودِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْلِيفِ، بَلْ عَلَى سبيل التقريع والتخجيل. وعند ما يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ، سُلِبُوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الِاسْتِطَاعَةِ حَتَّى يَزْدَادَ حُزْنُهُمْ وَنَدَامَتُهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ حِينَ دُعُوا إليه وهم سالمون الْأَطْرَافِ وَالْمَفَاصِلِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
يُكْشَفُ بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِفَتْحِ الْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَابْنُ هُرْمُزَ: بِالنُّونِ وَابْنُ عَبَّاسٍ: يكشف بفتح الياء منبيا لِلْفَاعِلِ وَعَنْهُ أَيْضًا بِالْيَاءِ مضمومة مبنيا للمفعول. وقرىء: يُكْشِفُ بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ، مِنْ أَكْشَفَ إِذَا دَخَلَ فِي الْكَشَفِ، وَمِنْهُ أَكْشَفَ الرَّجُلُ: انْقَلَبَتْ شَفَتُهُ الْعُلْيَا، وَكَشْفُ السَّاقِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ وَتَفَاقُمِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ أَوَّلُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهِيَ أَفْظَعُهَا. وَمِمَّا جَاءَ
فِي الْحَدِيثِ مَنْ قَوْلِهِ: «فَيُكْشَفُ لَهُمْ عَنْ سَاقٍ»
، مَحْمُولٌ أَيْضًا عَلَى الشِّدَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ. قَالَ حَاتِمٌ:
أَخُو الْحَرْبِ إِنْ عَضَّتْ بِهِ الْحَرْبُ عَضَّهَا ... وَإِنْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا الْحَرْبُ شَمَّرَا
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ إِشْفَاقِهَا ... وَمِنْ طِرَادِي الْخَيْلَ عَنْ أَرْزَاقِهَا
فِي سَنَةٍ قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا ... حَمْرَاءَ تَبْرِي اللَّحْمَ عَنْ عِرَاقِهَا
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا فَشُدُّوا ... وَجَدَّتِ الْحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا
وَقَالَ آخَرُ:
صبرا امام إن شرباق ... وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقِ
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
كَشَفَتْ لَهُمْ عَنْ سَاقِهَا ... وَبَدَا من الشر ألبوا
ويروى: الصداخ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ شِدَّةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَذِهِ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الشِّدَّةِ، يُقَالُ: كَشَفَ عَنْ سَاقِهِ إِذَا تَشَمَّرَ. قَالَ: وَمِنْ هَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ