وَضَمِّ الرَّاءِ، فَالْفَاعِلُ الْأَعَزُّ، ونصب الأذل على الحال. وقرىء: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَبِالْيَاءِ، الْأَعَزُّ مَرْفُوعٌ بِهِ، الْأَذَلَّ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ. وَمَجِيءُ الْحَالِ بِصُورَةِ الْمَعْرِفَةِ مُتَأَوَّلٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، فَمَا كَانَ مِنْهَا بِأَلْ فَعَلَى زِيَادَتِهَا، لَا أَنَّهَا مَعْرِفَةٌ.
وَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ، وَلَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذِهِ الْآيَةَ، جَاءَ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ يَا أَبَتِ الذَّلِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَزِيزُ. فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، جَرَّدَ السَّيْفَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ الدُّخُولَ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ: وَرَاءَكَ لَا تَدْخُلُهَا حَتَّى تَقُولَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعَزُّ وَأَنَا الْأَذَلُّ، فَلَمْ يَزَلْ حَبِيسًا فِي يَدِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْلِيَتِهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: لَئِنْ لَمْ تَشْهَدْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ بِالْعِزَّةِ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: أَفَاعِلٌ أَنْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: إِنَّ فِيكَ تِيهًا، فَقَالَ: لَيْسَ بِتِيهٍ وَلَكِنَّهُ عِزَّةٌ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ بِالسَّعْيِ فِي نَمَائِهَا وَالتَّلَذُّذِ بِجَمْعِهَا، وَلا أَوْلادُكُمْ بِسُرُورِكُمْ بِهِمْ وَبِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ فِي حَيَاتِكُمْ وَبَعْدَ مَمَاتِكُمْ، عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ: هُوَ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالدُّعَاءِ. وَقَالَ نَحْوًا مِنْهُ الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ: أَكَّدَ هُنَا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: جَمِيعُ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْجِهَادُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: الْقُرْآنُ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ:
أَيِ الشُّغُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ، فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، حَيْثُ آثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ، وَالْفَانِي على الباقي.
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ، قَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ الزَّكَاةُ. وَقِيلَ: عَامٌّ فِي الْمَفْرُوضِ وَالْمَنْدُوبِ. وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَاللَّهِ لَوْ رَأَى خَيْرًا مَا سَأَلَ الرَّجْعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُونَ الْكَرَّةَ، قَالَ: نَعَمْ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ بِهِ قُرْآنًا، يَعْنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَا. لَوْلا أَخَّرْتَنِي: أَيْ هَلَّا أَخَّرْتَ مَوْتِي إِلَى زَمَانٍ قَلِيلٍ؟ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَأَصَّدَّقَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ على جواب الرغبة وأبي وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ جُبَيْرٍ: فَأَتَصَدَّقَ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ السَّبْعَةِ: وَأَكُنْ مَجْزُومًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
وَأَكُنْ بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ فَأَصَّدَّقَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ أَخَّرْتَنِي أَصَّدَّقْ وَأَكُنْ.
انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَطْفًا عَلَى الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: إِنْ تُؤَخِّرْنِي أَصَّدَّقْ وَأَكُنْ، هَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ. فَأَمَّا مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ فَهُوَ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ جَزَمَ وَأَكُنْ عَلَى تَوَهُّمِ الشَّرْطِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالتَّمَنِّي، وَلَا مَوْضِعَ هُنَا، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ،