غَرَسُوا لِينَةً بِمَجْرًى مَعِينٍ ... ثُمَّ حُفَّ النَّخِيلُ بِالْآجَامِ
وَقِيلَ: هِيَ أَغْصَانُ الْأَشْجَارِ لِلِينِهَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ أَصْلُ الْيَاءِ الْوَاوَ. وَقِيلَ: هِيَ النَّخْلَةُ الْقَصِيرَةُ. وقال الأصمعي: هي الدفل، وَمَا شَرْطِيَّةٌ مَنْصُوبَةٌ بِقَطَعْتُمْ، وَمِنْ لِينَةٍ تَبْيِينٌ لِإِبْهَامٍ مَا، وَجَوَابُ الشَّرْطِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ: أَيْ فَقَطَعَهَا أَوْ تَرَكَهَا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قائِمَةً، أَنَّثَ قَائِمَةً، وَالضَّمِيرُ فِي تَرَكْتُمُوها عَلَى مَعْنَى مَا. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَعْمَشُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: قِوَمًا عَلَى وَزْنِ فِعَلٍ، كَضِرَبٍ جَمْعُ قَائِمٍ. وقرىء: قَائِمًا اسْمَ فَاعِلٍ، فَذُكِّرَ عَلَى لَفْظِ مَا، وَأُنِّثَ في على أصولها. وقرىء: أَصْلِهَا بِغَيْرِ وَاوٍ.
وَلَمَّا جَلَا بَنُو النَّضِيرِ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَتَرَكُوا رَبَاعَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، طَلَبَ الْمُسْلِمُونَ تَخْمِيسَهَا كَغَنَائِمِ بَدْرٍ، فَنَزَلَتْ: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ: بَيَّنَ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ فَيْءٌ، لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا خَيْلٌ وَلَا رِكَابٌ وَلَا قُطِعَتْ مَسَافَةٌ، إِنَّمَا كَانُوا مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ مَشَوْا مَشْيًا، وَلَمْ يَرْكَبْ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَآثَرَ بِهَا الْمُهَاجِرِينَ وَقَسَّمَهَا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا أَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ وَالْحَارِثَ بْنَ الصِّمَّةِ، أَعْطَاهُمْ لِفَقْرِهِمْ.
وَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ شَرْطِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَأَفَاءَ بِمَعْنَى:
يَفِيءُ، وَلَا يَكُونُ مَاضِيًا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ صِلَةُ مَا الْمَوْصُولَةِ إِذَا كَانَتِ الْبَاءُ فِي خَبَرِهَا، لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ شُبِّهَتْ بِاسْمِ الشَّرْطِ. فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ جَلَائِهِمْ، كَانَتْ مُخْبِرَةً بِغَيْبٍ، فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَتْ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ حُصُولِ أَمْوَالِهِمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَحُكْمُ الْمَاضِي الْمُتَقَدِّمِ حُكْمُهُ. وَمَنْ فِي: مِنْ خَيْلٍ زَائِدَةٌ فِي الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِغْرَاقُ، وَالرِّكَابُ: الْإِبِلُ، سَلَّطَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، كَمَا كَانَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَى الْأَئِمَّةِ مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ خَاصَّةً.
مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَمْ يَدْخُلِ الْعَاطِفُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ، لِأَنَّهَا بَيَانٌ لِلْأُولَى، فَهِيَ مِنْهَا غَيْرُ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْهَا. بَيَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَصْنَعُ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَهُ حَيْثُ يَضَعُ الْخُمْسَ مِنَ الغنائم مقسوم عَلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَهْلُ الْقُرَى الْمَذْكُورُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمْ أَهْلُ الصَّفْرَاءِ وَيَنْبُعَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَا هُنَالِكَ مِنْ قُرَى الْعَرَبِ الَّتِي تُسَمَّى قُرَى عُرَيْنَةَ، وَحُكْمُهَا مُخَالِفٌ