الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُرْتَاحُ بِحُسْنِهَا، فَشَبَّهَ بِهِمَا فِيمَا يَحْسُنُ التَّشْبِيهُ بِهِ، فَالْيَاقُوتُ فِي إِمِّلَاسِهِ وَشُفُوفِهِ، وَالْمَرْجَانُ فِي إِمِّلَاسِهِ وَجَمَالِ مَنْظَرِهِ، وَبِهَذَا النَّحْوِ مِنَ النَّظَرِ سَمَّتِ الْعَرَبُ النِّسَاءَ بِذَلِكَ، كَدُرَّةَ بِنْتِ أَبِي لَهَبٍ، وَمَرْجَانَةَ أُمِّ سَعِيدٍ. انْتَهَى.
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ فِي الْعَمَلِ، إِلَّا الْإِحْسانُ فِي الثَّوَابِ؟ وَقِيلَ: هَلْ جَزَاءُ التَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّةُ؟ وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: إِلَّا الْحِسَانُ يَعْنِي: بِالْحِسَانِ الْحُورَ الْعِينَ. وَمِنْ دُونِهِما: أَيْ مِنْ دُونِ تَيْنِكَ الْجَنَّتَيْنِ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْقَدْرِ، جَنَّتانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَالْأُولَيَانِ هُمَا لِلسَّابِقِينَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَالْأَكْثَرُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأُولَيَانِ لِلسَّابِقِينَ، وَالْأُخْرَيَانِ لِلتَّابِعِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمِنْ دُونِهِما فِي الْقُرْبِ لِلْمُنَعَّمِينَ، وَالْمُؤَخَّرَتَا الذِّكْرِ أَفْضَلُ من الأوليين. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَصَفَ عَيْنَيْ هَاتَيْنِ بِالنَّضْخِ، وَتَيْنِكَ بِالْجَرْيِ فَقَطْ وَهَاتَيْنِ بالدهمة من شدة النِّعْمَةِ، وَتَيْنِكَ بِالْأَفْنَانِ، وَكُلُّ جَنَّةٍ ذَاتُ أَفْنَانٍ. وَرَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ: لِلْمُقَرَّبِينَ جَنَّتَانِ مِنْ دُونِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ادْهَامَّتَا مِنْ شِدَّةِ الْخُضْرَةِ، وَرَجَّحَ غَيْرُهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِذِكْرِ جَرْيِ الْعَيْنَيْنِ وَالنَّضْخِ دُونَ الْجَرْيِ، وَبِقَوْلِهِ فِيهِمَا: مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ، وَفِي الْمُتَأَخِّرَتَيْنِ: فِيهِما فاكِهَةٌ، وَبِالِاتِّكَاءِ عَلَى مَا بَطَائِنُهُ مِنْ دِيبَاجٍ وَهُوَ الْفُرُشُ، وَفِي الْمُتَأَخِّرَتَيْنِ الِاتِّكَاءُ عَلَى الرَّفْرَفِ، وَهُوَ كِسْرُ الْخِبَاءِ، وَالْفُرُشُ الْمُعَدَّةُ لِلِاتِّكَاءِ أَفْضَلُ، وَالْعَبْقَرِيُّ: الْوَشْيُ، وَالدِّيبَاجُ أَعْلَى مِنْهُ، وَالْمُشَبَّهُ بِالْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ أَفْضَلُ فِي الْوَصْفِ مِنْ خَيْرَاتٍ حِسَانٍ، وَالظَّاهِرُ النَّضْخُ بِالْمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ:
بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ فِي دُورِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، كَمَا يَنْضَخُ رَشُّ الْمَطَرِ. وَعَنْهُ أَيْضًا بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَالْمَاءِ. وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ عَطَفَ فَاكِهَةً، فَاقْتَضَى الْعَطْفُ أَنْ لَا يَنْدَرِجَا فِي الْفَاكِهَةِ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ: كَرَّرَهُمَا وَهُمَا مِنْ أَفْضَلِ الْفَاكِهَةِ تَشْرِيفًا لَهُمَا وَإِشَارَةً بِهِمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ (?) . وَقِيلَ: لِأَنَّ النَّخْلَ ثَمَرُهُ فَاكِهَةٌ وَطَعَامٌ، وَالرُّمَّانَ فَاكِهَةٌ وَدَوَاءٌ، فَلَمْ يُخْلَصَا لِلتَّفَكُّهِ.
فِيهِنَّ خَيْراتٌ، جَمْعُ خَيْرَةٍ: وَصْفٌ بُنِيَ عَلَى فَعْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَمَا بَنَوْا مِنَ الشَّرِّ فَقَالُوا: شَرَّةٌ. وَقِيلَ: مُخَفَّفٌ مِنْ خَيِّرَةٍ، وَبِهِ قَرَأَ بَكْرُ بْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَابْنُ مِقْسَمٍ، أَيْ بِشَدِّ الْيَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِفَتْحِ الْيَاءِ، كَأَنَّهُ جَمْعُ خَايِرَةٍ، جُمِعَ عَلَى فَعْلَةٍ، وَفَسَّرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ ذَلِكَ
فَقَالَ: «خَيِّرَاتُ الأخلاق حسان الوجوه» .