وَقِيلَ: مَنْ حَفِظَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَمَّاهُمْ أَعْيُنًا. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو السَّمَّالِ: بِأَعْيُنَّا بِالْإِدْغَامِ وَالْجُمْهُورُ: بِالْفَكِّ. جَزاءً: أَيْ مُجَازَاةً، لِمَنْ كانَ كُفِرَ: أَيْ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذْ كَانَ نِعْمَةً أَهْدَاهَا اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ لِأَنْ يُؤْمِنُوا فَكَفَرُوهَا، الْمَعْنَى: أَنَّهُ حَمَلَهُ فِي السَّفِينَةِ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ كَانَ جَزَاءً لَهُ عَلَى صَبْرِهِ عَلَى قَوْمِهِ الْمِئِينَ مِنَ السِّنِينَ، وَمَنْ كِنَايَةٌ عَنْ نُوحٍ. قِيلَ: يَعْنِي بِمَنْ كُفِرَ لِمَنْ جُحِدَتْ نُبُوَّتُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: مَنْ يُرَادُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، كَأَنَّهُ قَالَ: غَضَبًا وَانْتِصَارًا لِلَّهِ تَعَالَى، أَيِ انْتَصَرَ لِنَفْسِهِ، فَأَغْرَقَ الْكَافِرِينَ، وَأَنْجَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِي مَنْ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. كُفِرَ: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ: بِإِسْكَانِ الْفَاءِ خُفِّفَ فُعْلَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَوْ عُصْرَ مِنْهُ الْبَانُ وَالْمِسْكُ انْعَصَرْ يُرِيدُ: لَوْ عُصِرَ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ رُومَانَ وَقَتَادَةُ وَعِيسَى: كَفَرَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، فَمَنْ يُرَادُ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ: أَيْ إِنَّ مَا نَشَأَ مِنْ تَفْتِيحِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ بِالْمَاءِ، وَتَفَجُّرِ عُيُونِ الْأَرْضِ، وَالْتِقَاءِ الْمَاءَيْنِ مِنْ غَرَقِ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَكُفِرَ: خَبَرٌ لِكَانَ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الْمَاضِي بِغَيْرِ قَدْ خَبَرًا لِكَانَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ قَدْ ظَاهِرَةً أَوْ مُقَدَّرَةً، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ كَانَ هُنَا زَائِدَةً، أَيْ لِمَنْ كُفِرَ، وَالضَّمِيرُ فِي تَرَكْناها عَائِدٌ عَلَى الْفِعْلَةِ وَالْقِصَّةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالنَّقَّاشُ وَغَيْرُهُمَا:

عَائِدٌ عَلَى السَّفِينَةِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَبْقَى خَشَبَهَا حَتَّى رَآهُ بَعْضُ أَوَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ:

وَكَمْ مِنْ سَفِينَةٍ بَعْدَهَا صَارَتْ رَمَادًا! وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مُدَّكِرٍ، بِإِدْغَامِ الذَّالِ فِي الدَّالِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ تَاءِ الِافْتِعَالِ وَقَتَادَةُ: فِيمَا نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ بِالذَّالِ، أَدْغَمَهُ بَعْدَ قَلْبِ الثَّانِي إِلَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ اللَّوَامِحِ قتادة: فَهَلْ مِنْ مُذَكِّرٍ، فَاعِلٌ مِنَ التَّذْكِيرِ، أَيْ مَنْ يُذَكِّرُ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِمَا مَضَى مِنَ الْقِصَصِ. انتهى. وقرىء: مُدْتَكِرٍ عَلَى الْأَصْلِ.

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ: تَهْوِيلٌ لِمَا حَلَّ بِقَوْمِ نُوحٍ مِنْ الْعَذَابِ وَإِعْظَامٌ لَهُ، إِذْ قَدِ اسْتَأْصَلَ جَمِيعَهُمْ وَقَطَعَ دَابِرَهُمْ، فَلَمْ يَنْسُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَيْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ إِنْذَارِي؟

وَالنُّذُرُ: جَمْعُ نَذِيرٍ وَهُوَ الْإِنْذَارُ، وَفِيهِ تَوْقِيفٌ لِقُرَيْشٍ عَلَى مَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ أَمْثَالِهِمْ. وَكَانَ، إِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً، كَانَتْ كَيْفَ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ كَانَ وَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً، كَانَتْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا لَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ، بَلِ الْمَعْنَى عَلَى التَّذْكِيرِ بِمَا حَلَّ بِهِمْ.

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا: أَيْ سَهَّلْنَا، الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ: أَيْ لِلْإِذْكَارِ وَالِاتِّعَاظِ، لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْوَعْظِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مِنْ مُتَّعِظٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَهَلْ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015