رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ. وَانْتَصَبَ نَزْلَةً، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: نُصِبَ الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ مَرَّةٌ، لِأَنَّ الْفَعْلَةَ اسْمٌ لِلْمَرَّةِ مِنَ الْفِعْلِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ: مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ:
مَصْدَرٌ، أَيْ مَرَّةً أُخْرَى، أَوْ رُؤْيَةً أُخْرَى.
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، قِيلَ: هِيَ شَجَرَةُ نَبْقٍ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ. وَقِيلَ: فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، ثَمَرُهَا كَقِلَالِ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ. تَنْبُعُ مِنْ أَصْلِهَا الْأَنْهَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعُهَا. وَالْمُنْتَهَى مَوْضِعُ الِانْتِهَاءِ، لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ كُلِّ عَالِمٍ، وَلَا يَعْلَمُ مَا وَرَاءَهَا صَعَدًا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ أَوْ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْ كُلِّ جِيلٍ أَوْ يَنْتَهِي إِلَيْهَا مَا نَزَلَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَتَجَاوَزُهَا مَلَائِكَةُ الْعُلُوِّ وَمَا صَعِدَ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا تَتَجَاوَزُهَا مَلَائِكَةُ السُّفْلِ أَوْ تَنْتَهِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ أَوْ كَأَنَّهَا فِي مُنْتَهَى الْجَنَّةِ وَآخِرِهَا أَوْ تَنْتَهِي إِلَيْهَا الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَيَقِفُونَ عِنْدَهَا أَوْ يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ الْأَنْبِيَاءِ وَيَعْزُبُ عِلْمُهُمْ عَنْ مَا وَرَاءَهَا أَوْ تَنْتَهِي إِلَيْهَا الْأَعْمَالُ أَوْ لِانْتِهَاءِ مَنْ رُفِعَ إِلَيْهَا فِي الْكَرَامَةِ، أَقْوَالٌ تِسْعَةٌ.
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى: أَيْ عِنْدَ السِّدْرَةِ، قِيلَ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدَ النَّزْلَةِ. قَالَ الْحَسَنُ:
هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي وَعَدَهَا اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِخِلَافٍ عَنْهُ وَقَتَادَةُ: هِيَ جَنَّةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ، وَلَيْسَتْ بِالَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ جَنَّةَ النَّعِيمِ. وَقِيلَ: جَنَّةُ: مَأْوَى الْمَلَائِكَةِ.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٌ وَزِرٌّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَقَتَادَةُ: جَنَّهُ، بِهَاءِ الضَّمِيرِ، وَجَنَّ فِعْلٌ مَاضٍ، وَالْهَاءُ ضَمِيرُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَيْ عِنْدَهَا سَتَرَهُ إِيوَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَجَمِيلُ صُنْعِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى ضَمَّهُ الْمَبِيتُ وَاللَّيْلُ. وَقِيلَ: جَنَّهُ بِظِلَالِهِ وَدَخَلَ فِيهِ. وَرَدَّتْ عَائِشَةُ وَصَحَابَةٌ مَعَهَا هَذِهِ الْقِرَاءَةَ وَقَالُوا: أَجَنَّ اللَّهُ مَنْ قَرَأَهَا وَإِذَا كَانَتْ قِرَاءَةً قَرَأَهَا أَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ رَدَّهَا. وَقِيلَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا أَجَازَتْهَا. وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: جَنَّةُ الْمَأْوى، كَقَوْلِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى: فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا (?) .
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى: فِيهِ بِإِبْهَامِ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ تَعْظِيمٌ وَتَكْثِيرٌ لِلْغَاشِي الَّذِي يَغْشَاهُ، إِذْ ذَاكَ أَشْيَاءُ لَا يَعْلَمُ وَصْفَهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: يَغْشَاهَا الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ عِنْدَهَا. وَقِيلَ: مَا يَغْشَى مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْوَاعُ الصِّفَاتِ الَّتِي