فَأَلْحَقْنَا بِالْهَادِيَاتِ وَدُونَهُ ... حَوَاجِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تُزَيَّلِ
وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: الرَّنَّةُ. قِيلَ: قَالَتْ أُوهْ بِصِيَاحٍ وَتَعَجُّبٍ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ:
الْجَمَاعَةُ، أَيْ مِنَ النِّسْوَةِ تَبَادَرُوا نَظَرًا إِلَى الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الصَّرَّةُ: الصَّيْحَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالشِّدَّةُ. فَصَكَّتْ وَجْهَها: أَيْ لَطَمَتْهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَمْرٌ يستهوله وَيَتَعَجَّبُ مِنْهُ، وَهُوَ فِعْلُ النِّسَاءِ إِذَا تَعَجَّبْنَ مِنْ شَيْءٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَسُفْيَانُ: ضَرَبَتْ بِكَفِّهَا جَبْهَتَهَا، وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي النَّاسِ حَتَّى الْآنَ. وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ: أي إنا قَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَنَّهَا عَجُوزٌ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنَ الْوِلَادَةِ، وَأَنَّهَا عَقِيمٌ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ، فَكَيْفَ أَلِدُ؟ تَعَجَّبَتْ مِنْ ذَلِكَ. قالُوا كَذلِكَ: أَيْ مِثْلُ الْقَوْلِ الَّذِي أَخْبَرْنَاكِ بِهِ، قالَ رَبُّكِ: وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى إِيجَادِ مَا يُسْتَبْعَدُ.
وَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهَا: انْظُرِي إِلَى سَقْفِ بَيْتِكِ، فَنَظَرَتْ، فَإِذَا جُذُوعُهُ مُورِقَةٌ مُثْمِرَةٌ.
إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ: أَيْ ذُو الْحِكْمَةِ. الْعَلِيمُ بِالْمَصَالِحِ.
وَلَمَّا عَلِمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ، وَأَنَّهُمْ لَا يَنْزِلُونَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى رُسُلًا، قَالَ فَما خَطْبُكُمْ إِلَى: قَوْمٍ مُجْرِمِينَ: أَيْ ذَوِي جَرَائِمَ، وَهِيَ كِبَارُ الْمَعَاصِي مِنْ كُفْرٍ وَغَيْرِهِ. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ: أَيْ لِنُهْلِكَهُمْ بِهَا، حِجارَةً مِنْ طِينٍ: وَهُوَ السِّجِّيلُ، طِينٌ يُطْبَخُ كما طبخ الْآجِرُ حَتَّى يَصِيرَ فِي صَلَابَةٍ كَالْحِجَارَةِ. مُسَوَّمَةً:
مُعَلَّمَةً، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا اسْمُ صَاحِبِهِ. وَقِيلَ: مُعَلَّمَةً أَنَّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ. وَقِيلَ:
مُعَلَّمَةً أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدُّنْيَا، لِلْمُسْرِفِينَ: وَهُمُ الْمُجَاوِزُونَ الْحَدَّ فِي الْكُفْرِ.
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها: فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي حَلَّ الْعَذَابُ بِأَهْلِهَا. غَيْرَ بَيْتٍ: هُوَ بَيْتُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ لُوطٌ وَابْنَتَاهُ فَقَطْ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفْسًا. وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِسْلَامُ، وَكَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُمَا مُعْتَزَلِيَّانِ.
وَتَرَكْنا فِيها: أَيْ فِي الْقَرْيَةِ، آيَةً: عَلَامَةً. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حَجَرًا كَبِيرًا جِدًّا مَنْضُودًا. وَقِيلَ: مَاءٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا عَائِدًا عَلَى الْإِهْلَاكَةِ الَّتِي أُهْلِكُوهَا، فَإِنَّهَا مِنْ أَعَاجِيبِ الْإِهْلَاكِ، بِجَعْلِ أَعَالِي الْقَرْيَةِ أَسَافِلَ وَإِمْطَارِ الْحِجَارَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ:
وَفِي مُوسى مَعْطُوفٌ عَلَى وَتَرَكْنا فِيها: أَيْ فِي قِصَّةِ مُوسَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي مُوسى يَكُونُ عَطْفًا عَلَى وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (?) .