لَحَقٌّ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً، فَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ الْجَرْمِيُّ وَسِيبَوَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ. وَالنُّطْقُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْكَلَامِ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فِي تَرْتِيبِ الْمَعَانِي. وَيَقُولُ النَّاسُ: هَذَا حَقٌّ، كَمَا أنك هاهنا وَهَذَا حَقٌّ، كَمَا أَنَّكَ تَرَى وَتَسْمَعُ، وَهَذَا كَمَا فِي الْآيَةِ. وَمَا زَائِدَةٌ بِنَصِّ الْخَلِيلِ، وَلَا يُحْفَظُ حذفها، فتقول: ذا حَقٌّ كَأَنَّكَ هَاهُنَا، وَالْكُوفِيُّونَ يجعلون مثلا محلى، فَيَنْصِبُونَهُ عَلَى الظَّرْفِ، وَيُجِيزُونَ زَيْدٌ مِثْلَكَ بِالنَّصْبِ، فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ فِيهَا مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ. وَمَنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَعْرَابِ: مَنْ ذَا الَّذِي أَغْضَبَ الْخَلِيلَ حَتَّى حَلَفَ، لَمْ يُصَدِّقُوهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى أَلْجَئُوهُ إِلَى الْيَمِينِ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ، فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ، قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ، فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ، وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ، فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ، وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ، وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.

هَلْ أَتاكَ: تَقْرِيرٌ لِتَجْتَمِعَ نَفْسُ الْمُخَاطَبِ، كَمَا تَبْدَأُ الْمَرْءَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُحَدِّثَهُ بِعَجِيبٍ، فَتُقَرِّرَهُ هَلْ سَمِعَ ذَلِكَ أَمْ لَا، فَكَأَنَّكَ تَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ لَا. وَيَسْتَطْعِمُكَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ تَفْخِيمٌ لِلْحَدِيثِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِلْمِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا عَرَفَهُ بِالْوَحْيِ، وَضَيْفُ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهِ سَوَاءٌ. وَبَدَأَ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ قِصَّةِ عَادٍ، هَزْمًا لِلْعَرَبِ، إِذْ كَانَ أَبَاهُمُ الْأَعْلَى، وَلِكَوْنِ الرُّسُلِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَيْهِ جَاءُوا بِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ، إِذْ كَذَّبُوهُ، فَفِيهِ وَعِيدٌ لِلْعَرَبِ وَتَهْدِيدٌ وَاتِّعَاظٌ وَتَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ. وَوَصَفَهُمْ بِالْمُكْرَمِينَ لِكَرَامَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015