وَأَبُو بَكْرٍ: بِالْيَاءِ فِيهِنَّ وَأُوَيْسٌ، وَنَبْلَوْا: بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبِالنُّونِ وَالْأَعْمَشُ: بِإِسْكَانِهَا وَبِالْيَاءِ، وَذَلِكَ عَلَى الْقَطْعِ، إِعْلَامًا بِأَنَّ ابْتِلَاءَهُ دَائِمٌ. وَمَعْنَى: حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ: أَيْ نَعْلَمَهُمْ مُجَاهِدِينَ قَدْ خَرَجَ جِهَادُهُمْ إِلَى الْوُجُودِ، وَبِأَنَّ مِسْكَهُمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَوَابُهُمْ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَبَيُّنُ هُدَاهُمْ: مَعْرِفَتُهُمْ بِالرَّسُولِ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَوْ مُنَافِقُونَ كَأَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ دَاخَلَ قُلُوبَهُمْ ثُمَّ نَافَقُوا وَالْمُطْعَمُونَ: سُفْرَةُ بَدْرٍ وَتَبَيَّنَ الْهُدَى:
وُجُودَهُ عِنْدَ الدَّاعِي إِلَيْهِ، أَوْ مُشَاعَةٌ فِي كُلِّ كَافِرٍ وَتَبَيَّنَ الْهُدَى مِنْ حَيْثُ كَانَ فِي نَفْسِهِ، أَقْوَالٌ. وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ: أَيِ الَّتِي كَانُوا يَرْجُونَ بِهَا انتفاعا، وأعمالهم الَّتِي كَانُوا يَكِيدُونَ بِهَا الرَّسُولَ وَدِينَ الْإِسْلَامِ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
قِيلَ نَزَلَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَسْلَمُوا وَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ: قَدْ آثَرْنَاكَ وَجِئْنَاكَ بِنُفُوسِنَا وَأَهْلِنَا، كَأَنَّهُمْ مَنُّوا بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَوْلُهُ: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا (?) ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ بِالْمَنِّ بِالْإِسْلَامِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَعَنْهُ: بِالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَعَنْ حُذَيْفَةَ: بِالْكَبَائِرِ، وَقِيلَ:
بِالْعُجْبِ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ، كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ. وَعَنْ مُقَاتِلٍ: بِعِصْيَانِكُمْ لِلرَّسُولِ.
وَقِيلَ: أَعْمَالَكُمْ: صَدَقَاتِكُمْ بالمن والأذى. ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ: عَامٌّ فِي الْمُوجِبِ لِانْتِفَاءِ الْغُفْرَانِ، وَهُوَ وَفَاتُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْقَلِيبِ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم عن أَبِيهِ قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ أَفْعَالُ بِرٍّ، فَمَا حَالُهُ؟
فَقَالَ: «فِي النَّارِ» ، فَبَكَى عَدِيٌّ وَوَلَّى، فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «أَبِي وَأَبُوكَ وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ فِي النَّارِ» ، فَنَزَلَتْ.
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ: وَهُوَ الصُّلْحُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَتَدْعُوا، مُضَارِعَ دَعَا وَالسُّلَمِيُّ: بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، أَيْ تَفْتَرُوا وَالْجُمْهُورُ: إِلَى السَّلْمِ، بِفَتْحِ السِّينِ وَالْحَسَنُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَعِيسَى، وَطَلْحَةُ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ: بِكَسْرِهَا. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى السَّلَامِ فِي الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (?) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
وقرىء: وَلَا تَدْعُوا مِنِ ادَّعَى الْقَوْمُ، وَتَدَاعَوْا إِذَا ادَّعَوْا، نَحْوُ قَوْلِكَ: ارْتَمَوُا الصَّيْدَ وَتَرَامَوْا.
انْتَهَى. وَالتِّلَاوَةُ بِغَيْرِ لَا، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ التِّلَاوَةِ فَيَقُولُ: وقرىء: وَتَدْعُوا مَعْطُوفٌ عَلَى تَهِنُوا، فَهُوَ مَجْزُومٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِإِضْمَارِ إِنْ. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ: أَيِ الْأَعْلَيُونَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَكَذَا: وَاللَّهُ مَعَكُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يكونا جملتي استئناف،