كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ.

وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى: خِطَابٌ لِقُرَيْشٍ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ لَهُمْ، وَالَّذِي حَوْلَهُمْ مِنَ الْقُرَى: مَأْرِبُ، وَحِجْرُ، ثَمُودُ، وَسَدُومُ. وَيُرِيدُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى:

وَصَرَّفْنَا الْآياتِ، أي الحجج والدلائل والعظات لِأَهْلِ تِلْكَ الْقُرَى، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، فَلَمْ يَرْجِعُوا. فَلَوْلا نَصَرَهُمُ: أَيْ فَهَلَّا نَصَرَهُمْ حِينَ جَاءَهُمُ الْهَلَاكُ؟ الَّذِينَ اتَّخَذُوا: أَيِ اتَّخَذُوهُمْ، مِنْ دُونِ اللَّهِ، قُرْباناً: أَيْ فِي حَالِ التَّقَرُّبِ وَجَعْلِهِمْ شُفَعَاءَ. آلِهَةً: وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثاني لا تخذوا، وَالْأَوَّلُ الضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ. وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَانًا مَفْعُولًا ثانيا لاتخذوا آلهة بدل مِنْهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقُرْبَانًا حَالٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَانًا مَفْعُولًا ثَانِيًا وآلهة بدل مِنْهُ، لِفَسَادِ الْمَعْنَى. انْتَهَى. وَلَمْ يُبَيِّنِ الزَّمَخْشَرِيُّ كَيْفَ يَفْسُدُ الْمَعْنَى، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى صَحِيحٌ عَلَى ذَلِكَ الْإِعْرَابِ. وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قُرْبَانًا مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ.

بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ: أَيْ غَابُوا عَنْ نُصْرَتِهِمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِفْكُهُمْ، بكسر الهمزة وإسكان الهاء وَضَمِّ الْكَافِ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَالْإِفْكُ مَصْدَرٌ أَنْ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالصَّبَّاحُ بْنُ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عِيَاضٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ، وَمُجَاهِدٌ: أَفَكَهُمْ، بِثَلَاثِ فَتَحَاتٍ: أَيْ صَرَفَهُمْ وَأَبُو عِيَاضٍ، وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا: كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُمَا شَدَّدَا الْفَاءَ لِلتَّكْثِيرِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ أَيْضًا، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: آفَكَهُمْ بِالْمَدِّ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَاعَلَ. فَالْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةٌ، وَأَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ، فَالْهَمْزَةُ لِلتَّعْدِيَةِ، أَيْ جَعَلَهُمْ يَأْفِكُونَ، وَيَكُونُ أَفْعَلُ بِمَعْنَى الْمُجَرَّدِ. وَعَنِ الْفَرَّاءِ أنه قرىء:

أَفَكُهُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي الْإِفْكِ وَابْنُ عَبَّاسٍ، فِيمَا رَوَى قُطْرُبٌ، وَأَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ: آفِكُهُمُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَفَكَ، أَيْ صَارَفَهُمْ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ قَرَأَ: إِفْكُهُمْ مَصْدَرًا إِلَى اتِّخَاذِ الْأَصْنَامِ آلِهَةً، أَيْ ذَلِكَ كَذِبُهُمْ وَافْتِرَاؤُهُمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى امْتِنَاعِ نُصْرَةِ آلِهَتِهِمْ لَهُمْ وَضَلَالِهِمْ عَنْهُمْ، أَيْ وَذَلِكَ أَثَرُ إِفْكِهِمُ الَّذِي هُوَ اتِّخَاذُهُمْ إِيَّاهَا آلِهَةً، وَثَمَرَةُ شِرْكِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ كَوْنِهِ ذَا شُرَكَاءَ. انْتَهَى. وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ جَعَلَهُ فِعْلًا مَعْنَاهُ: وَذَلِكَ الِاتِّخَاذُ صَرَفَهُمْ عَنِ الْحَقِّ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015