وَقَرَأَ الْعَبَّاسُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أَنَّهُمْ كَانُوا، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْجُمْهُورُ بِالْكَسْرِ. وَلِكُلٍّ:
أَيْ مِنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ، دَرَجاتٌ غَلَبَ دَرَجَاتٌ، إِذِ الْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ وَالنَّارُ دَرَكَاتٌ، وَالْمَعْنَى: مَنَازِلُ وَمَرَاتِبُ مِنْ جَزَاءِ مَا عَمِلُوا مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنْ أَجْلِ مَا عَمِلُوا مِنْهَا. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: دَرَجَاتُ الْمُحْسِنِينَ تَذْهَبُ عُلُوًّا، وَدَرَجَاتُ الْمُسِيئِينَ تَذْهَبُ سُفْلًا. انْتَهَى.
وَالْمُعَلِّلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ قَدْرَ جَزَائِهِمْ، فَجُعِلَ الثَّوَابُ دَرَجَاتٍ وَالْعِقَابُ دَرَكَاتٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَلِيُوَفِّيَهُمْ بِالْيَاءِ، أَيْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَعْمَشُ، وَالْأَعْرَجُ، وَشَيْبَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَالْأَخَوَانِ، وَابْنُ ذَكْوَانَ، وَنَافِعٌ: بِخِلَافٍ عَنْهُ بِالنُّونِ وَالسُّلَمِيُّ: بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقٍ، أَيْ وَلِنُوَفِّيَهُمُ الدَّرَجَاتِ، أَسْنَدَ التَّوْفِيَةَ إِلَيْهَا مَجَازًا.
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ، وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لَا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ، وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
وَيَوْمَ يُعْرَضُ: أَيْ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ، كَمَا يُقَالُ: عُرِضَ عَلَى السَّيْفِ، إِذَا قُتِلَ بِهِ.
وَالْعَرْضُ: الْمُبَاشَرَةُ، كَمَا تَقُولُ: عَرَضْتُ الْعُودَ عَلَى النَّارِ: أَيْ بَاشَرْتُ بِهِ النَّارَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ عَرْضُ النَّارِ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: عُرِضَتِ النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ، يُرِيدُونَ عَرَضَ الْحَوْضَ عَلَيْهَا، فَقَلَبُوا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُجَاءُ بِهِمْ إِلَيْهَا فَيُكْشَفُ لَهُمْ عَنْهَا. انْتَهَى. وَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَلْبِ، إِذِ الصَّحِيحُ فِي الْقَلْبِ أَنَّهُ مِمَّا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ فِي الشِّعْرِ. وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا وَاضِحًا مَعَ عَدَمِ الْقَلْبِ، فأي ضرورة ندعو إِلَيْهِ؟ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ: عُرِضَتِ النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَلْبِ، لِأَنَّ عَرْضَ النَّاقَةِ عَلَى الْحَوْضِ، وَعَرْضَ الْحَوْضِ عَلَى النَّاقَةِ، كُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ إِذِ الْعَرْضُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَصِحُّ إِسْنَادُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاقَةِ وَالْحَوْضِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: