ثَلَاثَةٌ: مَذْهَبٌ أَنَّهَا حَرْفٌ، فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى عَامِلٍ، وَمَذْهَبٌ أَنَّهَا ظَرْفُ مَكَانٍ، فَإِنْ صَرَّحَ بَعْدَ الِاسْمِ بَعْدَهَا بِخَبَرٍ لَهُ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ عَامِلًا فِيهَا نَحْوَ: خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قَائِمٌ، فَقَائِمٌ نَاصِبٌ لِإِذَا، كَأَنَّ التَّقْدِيرَ: خَرَجْتُ فَفِي الْمَكَانِ الَّذِي خَرَجْتُ فِيهِ زَيْدٌ قَائِمٌ وَمَذْهَبُ أَنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الْخَبَرُ أَيْضًا، كَأَنَّهُ قَالَ: فَفِي الزَّمَانِ الَّذِي خَرَجْتُ فِيهِ زَيْدٌ قَائِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ الِاسْمِ خَبَرٌ، أَوْ ذُكِرَ اسْمٌ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، كَانَتْ إِذَا خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ. فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَدَأُ جُثَّةً، وَقُلْنَا إِذَا ظَرْفُ مَكَانٍ، كَانَ الْأَمْرُ وَاضِحًا وَإِنْ قُلْنَا ظَرْفُ زَمَانٍ، كَانَ الْكَلَامُ عَلَى حَذْفٍ، أَيْ فَفِي الزَّمَانِ حُضُورُ زَيْدٍ. وَمَا ادَّعَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلِ الْمُفَاجَأَةِ، لَمْ يَنْطِقْ بِهِ وَلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ الْمُفَاجَأَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا لَا يَدُلُّ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ، بَلِ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُفَاجَأَةَ تَكُونُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ إِذَا.

تَقُولُ: خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ، وَالْمَعْنَى: فَفَاجَأَنِي الْأَسَدُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى: فَفَاجَأْتُ الْأَسَدَ.

وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ التِّسْعِ، فَمَا أُخْتُهَا الَّتِي فُضِّلَتْ عَلَيْهَا فِي الْكِبَرِ مِنْ بَقِيَّةِ الْآيَاتِ؟

قُلْتُ: أُخْتُهَا الَّتِي هِيَ آيَةٌ مِثْلُهَا، وَهَذِهِ صِفَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَكَانَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ بَقِيَّةِ الْآيَاتِ. قُلْتُ: أُخْتُهَا الَّتِي هِيَ آيَةٌ مِثْلُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْضِيلِ وَالِاسْتِقْرَاءِ، وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، كَمَا تَقُولُ: هُوَ أَفْضَلُ رَجُلٍ رَأَيْتُهُ، تُرِيدُ تَفْضِيلَهُ عَلَى أُمَّةِ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَأَيْتَهُمْ إِذَا قَدَّرْتَهُمْ رَجُلًا. فَإِنْ قُلْتَ: فَهُوَ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: مَا مِنْ آيَةٍ مِنَ التِّسْعِ إِلَّا وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَاضِلَةً وَمَفْضُولَةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، قُلْتُ:

الْغَرَضُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُنَّ مَوْصُوفَاتٌ بِالْكِبَرِ، لَا يَكَدْنَ يَتَفَاوَتْنَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعَادَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَلَاقَى فِي الْفَضْلِ وَتَتَقَارَبُ مَنَازِلُهُمْ فِيهِ التَّقَارُبُ الْيَسِيرُ، إِنْ تَخْتَلِفْ آرَاءُ النَّاسِ فِي تَفْضِيلِهَا فَيُفَضِّلُ بَعْضُهُمْ هَذَا وَبَعْضُهُمْ ذَاكَ، فَعَلَى هَذَا بَنَى النَّاسُ كَلَامَهُمْ فَقَالُوا: رَأَيْتُ رِجَالًا بَعْضَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَرُبَّمَا اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِيهَا، فَتَارَةً يُفَضِّلُ هَذَا، وَتَارَةً يُفَضِّلُ ذَاكَ، وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسَةِ:

مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تقل لا قيت سَيِّدَهُمْ ... مِثْلَ النُّجُومِ الَّتِي يَسْرِي بِهَا السَّارِي

وَقَدْ فاضلت الأنمارية بين الكلمة مِنْ بَنِيهَا ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا أَبْصَرْتُ مَرَاتِبَهُمْ مُتَدَانِيَةً قَلِيلَةَ التَّفَاوُتِ، ثَكِلْتُهُمْ إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَيُّهُمْ أَفْضَلُ، هُمْ كَالْحَلْقَةِ الْمُفْرَغَةِ، لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا. انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ طَوِيلٌ، مُلَخَّصُهُ: أَنَّ الْوَصْفَ بِالْأَكْبَرِيَّةِ مَجَازٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاظِرِينَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ مَوْقِعِهَا فِي نُفُوسِهِمْ بِحِدَّةِ أَمْرِهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015