والَّذِي جَعَلَ لَكُمُ: مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، خِطَابًا لَهُمْ بِتَذْكِيرِ نِعَمِهِ السَّابِقَةِ. وَكَرَّرَ الْفِعْلَ فِي الْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ، مُبَالَغَةً فِي التَّوْكِيدِ. وَفِي غَيْرِ مَا سُؤَالٍ، اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ، إِذْ هُوَ الْعَلَمُ الْجَامِعُ لِلصِّفَاتِ الْعُلَا، وَجَاءَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لَا مِنْ حيث اللفظ، لِأَنَّ مَنْ مُبْتَدَأٌ. فَلَوْ طَابَقَ فِي اللَّفْظِ، كَانَ بِالِاسْمِ مُبْتَدَأً، وَلَمْ يَكُنْ بِالْفِعْلِ. لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ: أَيْ إِلَى مَقَاصِدِكُمْ فِي السَّفَرِ، أَوْ تَهْتَدُونَ بِالنَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ. بِقَدَرٍ: أَيْ بِقَضَاءٍ وَحَتْمٍ فِي الْأَزَلِ، أَوْ بِكِفَايَةٍ، لَا كَثِيرًا فَيُفْسِدُ، وَلَا قَلِيلًا فَلَا يُجْدِي. فَأَنْشَرْنا: أَحْيَيْنَا بِهِ. بَلْدَةً مَيْتاً: ذُكِرَ عَلَى مَعْنَى الْقَطْرِ، وبلدة اسْمَ جِنْسٍ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَعِيسَى: مَيِّتًا بِالتَّشْدِيدِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تُخْرَجُونَ: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَابْنُ وَثَّابٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ الْمُصْبِحِ، وَعِيسَى، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْأَخَوَانِ: مبنيا للفاعل. والْأَزْواجَ: الْأَنْوَاعَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قِيلَ: وَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ زَوْجٌ، كَفَوْقَ، وَتَحْتَ، وَيَمِينٍ، وَشِمَالٍ، وَقُدَّامٍ، وَخَلْفٍ، وَمَاضٍ، وَمُسْتَقْبَلٍ، وَذَوَاتٍ، وَصِفَاتٍ، وَصَيْفٍ، وَشِتَاءٍ، وَرَبِيعٍ، وَخَرِيفٍ وَكَوْنُهَا أَزْوَاجًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُمْكِنَةُ الْوُجُودِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُحْدِثَهَا فَرْدٌ، وَهُوَ اللَّهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الضِّدِّ وَالْمُقَابِلِ وَالْمُعَارِضِ. انْتَهَى.

وَالْأَنْعامِ: الْمَعْهُودُ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ مِنَ الْأَنْعَامِ إِلَّا الْإِبِلُ. مَا: مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ مَا يَرْكَبُونَهُ. وَرَكِبَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِلَلِ، وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِوَسَاطَةِ فِي، إِذِ التَّقْدِيرُ مَا يَرْكَبُونَهُ. وَاللَّامُ فِي لِتَسْتَوُوا: الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَامُ كَيْ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: وَمَنْ أَثْبَتَ لَامَ الصَّيْرُورَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ بِهِ هُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَامُ الْأَمْرِ، وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُ أَمْرِ الْمُخَاطَبِ بِتَاءِ الْخِطَابِ، وَهُوَ مِنَ الْقِلَّةِ بِحَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ.

فَالْفَصِيحُ الْمُسْتَعْمَلُ: اضْرِبْ، وَقِيلَ: لِتَضْرِبْ، بَلْ نَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ قَلِيلَةٌ، إِذْ لَا تَكَادُ تُحْفَظُ إِلَّا قِرَاءَةً شَاذَّةً فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا بِالتَّاءِ لِلْخِطَابِ. وَمَا آثَرَ الْمُحَدِّثُونَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسلام: لتأخذوا مصافاكم، مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَى بِالْمَعْنَى، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

لِتَقُمْ أَنْتَ يَا ابْنَ خَيْرِ قُرَيْشٍ ... فَتَقْضِي حَوَائِجَ الْمُسْلِمِينَا

وَزَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّهَا لُغَةٌ جَيِّدَةٌ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا زَعَمَ النَّحْوِيُّونَ. وَالضَّمِيرُ فِي ظُهُورِهِ عَائِدٌ عَلَى مَا، كَأَنَّهُ قَالَ: عَلَى ظُهُورِ مَا تَرْكَبُونَ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَلِذَلِكَ حَسُنَ الْجَمْعُ، لِأَنَّ مَآلَهَا لَفْظٌ وَمَعْنًى. فَمَنْ جَمَعَ، فَبِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَمَنْ أَفْرَدَ فَبِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَيَعْنِي: مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ نَحْوًا مِنْهُ، قَالَ: أَضَافَ الظُّهُورَ، ثُمَّ تَذْكُرُوا، أَيْ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015