خَيْرٌ وَأَبْقى مِمَّا أُوتِيتُمْ، لِأَنَّهُ لَا انْقِطَاعَ لَهُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْكَبَائِرِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ (?) ، فِي النِّسَاءِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: كَبائِرَ جَمْعًا هُنَا، وَفِي النَّجْمِ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: بِالْإِفْرَادِ.
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ: عُطِفَ عَلَى لِلَّذِينَ آمَنُوا، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ. وَوَقَعَ لِأَبِي الْبَقَاءِ وَهْمٌ فِي التِّلَاوَةِ، اعْتَقَدَ أَنَّهَا الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ بِغَيْرِ وَاوٍ، فَبَنَى عَلَيْهِ الْإِعْرَابَ فَقَالَ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نصب بإضمار، أَعْنِي: وَفِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى تقديرهم. انْتَهَى. وَالْعَامِلُ فِي إِذَا يَغْفِرُونَ، وَهِيَ جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ معطوف عَلَى يَجْتَنِبُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُمْ تَوْكِيدًا لِلْفَاعِلِ فِي غَضِبُوا. وَقَالَ أَبُو البقاء: هم مبتدأ، ويغفرون الْخَبَرُ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ إِذَا. انْتَهَى، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَوْ كَانَتْ جَوَابَ إِذَا لَكَانَتْ بِالْفَاءِ، تَقُولُ: إِذَا جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو مُنْطَلِقٌ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الْفَاءِ إِلَّا إِنْ وَرَدَ فِي شِعْرٍ. وَقِيلَ: هُمْ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ يَغْفِرُونَ، وَلَمَّا حُذِفَ، انْفَصَلَ الضَّمِيرُ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ جَوَابَ إِذَا يُفَسَّرُ كَمَا يُفَسَّرُ فِعْلُ الشَّرْطِ بَعْدَهَا، نَحْوُ: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (?) ، وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، إِذْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَدَاةِ الشَّرْطِ الْجَازِمَةِ، نَحْوُ: إِنْ يَنْطَلِقْ زَيْدٌ يَنْطَلِقُ، فَزِيدٌ عِنْدَهُ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ الْجَوَابُ، أَيْ يَنْطَلِقُ زَيْدٌ، مَنَعَ ذَلِكَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
هُمْ يَغْفِرُونَ، أَيْ هُمُ الْأَخِصَّاءُ بِالْغُفْرَانِ، فِي حَالِ الْغَضَبِ لَا يَغُولُ الْغَضَبُ أَحْلَامَهُمْ، كَمَا يَغُولُ حُلُومَ النَّاسِ. وَالْمَجِيءُ لَهُمْ وَإِيقَاعُهُ مُبْتَدَأٌ، وَإِسْنَادُ يَغْفِرُونَ إِلَيْهِ لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ.
انْتَهَى، وَفِيهِ حَضٌّ عَلَى كَسْرِ الْغَضَبِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، قَالَ:
زِدْنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ» .
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، دَعَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ. وَكَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَبْلَ أَنْ يُقْدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، إِذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ تَشَاوَرُوا، فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ، لَا يَنْفَرِدُونَ بِأَمْرٍ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ. وَعَنِ الْحَسَنِ: مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أَمْرِهِمْ. انْتَهَى. وَفِي الشُّورَى اجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ وَالتَّحَابُّ وَالتَّعَاضُدُ عَلَى الْخَيْرِ. وَقَدْ شَاوَرَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحَ الْحُرُوبِ وَالصَّحَابَةُ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ، كَمُشَاوَرَةِ عُمَرُ لِلْهُرْمُزِ. وَفِي الْأَحْكَامِ، كَقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَمِيرَاثِ الْحَرْبِيِّ، وعدد