ثُمَّ مَا يَلِيهِ وَهُوَ الْحَمَأُ الْمَسْنُونُ، ثُمَّ الْمَادَّةُ تَلِي الْحَمَأَ وَهُوَ الصَّلْصَالُ وَأَمَّا مِنْ عَجَلٍ فَمَضَى تَفْسِيرُهُ.
فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي الْحِجْرِ، وَهُنَا اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ، وَفِي الْبَقَرَةِ: أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (?) ، وَفِي الْأَعْرَافِ: لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (?) ، وَفِي الْحِجْرِ: أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (?) ، وَفِي الْإِسْرَاءِ:
قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (?) ، وَفِي الْكَهْفِ: كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (?) . وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، فَتَارَةً أَكَّدَ بِالنَّفْيِّ الْمَحْضِ، وَتَارَةً ذَكَرَ إِبَايَتَهُ عَنِ السُّجُودِ، وَهِيَ الْأَنَفَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَارَةً نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِامْتِنَاعَ كَانَ سَبَبُهُ الِاسْتِكْبَارَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ أُرِيدَ بِهِ كُفْرُهُ ذلك الوقت، وإن لم يَكُنْ قَبْلَهُ كَافِرًا وَعُطِفَ عَلَى اسْتَكْبَرَ، فَقَوِيَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاسْتِكْبَارَ عَنِ السُّجُودِ إِنَّمَا حَصَلَ لَهُ وَقْتَ الْأَمْرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا مِنْهُ بِسَبْقِ كُفْرِهِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ فِي عِلْمِ اللَّهِ.
قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ، وَفِي الْأَعْرَافِ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (?) ، فَدَلَّ أَنْ تَسْجُدَ هُنَا، عَلَى أَنَّ لَا فِي أَنْ لَا تسجد زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفْهِمُ إِلَّا عَنِ الْمَانِعِ مِنَ السُّجُودِ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَتَوْبِيخٍ. وَمَا فِي لِما خَلَقْتُ، اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ يُجِيزُ إِطْلَاقَ مَا عَلَى آحَادِ مَنْ يَعْقِلُ، وَأَوَّلَ بِأَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْمَصْدَرُ يُرَادُ بِهِ الْمَخْلُوقُ، لَا حَقِيقَةُ الْمَصْدَرِ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ: لَمَّا بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، عَلَى الْإِفْرَادِ وَالْجُمْهُورُ: عَلَى التثنية وقرىء بِيَدَيَّ، كَقِرَاءَةِ بِمُصْرِخِيَّ وَقَالَ تَعَالَى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا (?) بِالْجَمْعِ، وَكُلُّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ، وَعَبَّرَ بِالْيَدِ، إِذْ كَانَ عِنْدَ الْبَشَرِ مُعْتَادًا أَنَّ الْبَطْشَ وَالْقُوَّةَ بِالْيَدِ. وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ إِلَى أَنَّ الْيَدَ صِفَةُ ذَاتٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَسْتَكْبَرْتَ، بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، فَأَمْ مُتَّصِلَةٌ عَادَلَتِ الْهَمْزَةَ. قال