أَصَابَ: أَرَادَ، بِلُغَةِ حِمْيَرَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِلُغَةِ هَجَرَ. وَالشَّياطِينَ: مَعْطُوفٌ عَلَى الرِّيحِ وكُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ: بَدَلٌ، وَأَتَى ببنية الْمُبَالَغَةِ، كَمَا قَالَ: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ (?) الْآيَةَ، وَقَالَ النَّابِغَةُ:
أَلَا سُلَيْمَانُ إِذْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُ ... قُمْ فِي الْبَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ
وَجَيْشُ الْجِنِّ إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ ... يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالْعَمَدِ
وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْعَامِّ عَامٌّ، فَالتَّقْدِيرُ: وَكُلَّ غَوَّاصٍ، أَيْ فِي الْبَحْرِ يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الْحِلْيَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَخْرَجَ الدُّرَّ: وَآخَرِينَ: عُطِفَ عَلَى كُلَّ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْبَدَلِ، إِذْ هُوَ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ بَدَلُ التَّفْصِيلِ، أَيْ مِنَ الْجِنِّ، وَهُمُ الْمَرَدَةُ، سَخَّرَهُمْ لَهُ حَتَّى قَرَّنَهُمْ فِي الْأَصْفَادِ لِكُفْرِهِمْ. وَقَالَ النَّابِغَةُ فِي ذَلِكَ:
فَمَنْ أَطَاعَكَ فَانْفَعْهُ بِطَاعَتِهِ ... كَمَا أَطَاعَكَ وَادْلُلْهُ عَلَى الرُّشْدِ
وَمَنْ عَصَاكَ فَعَاقِبْهُ مُعَاقَبَةً ... تَنْهَى الظَّلُومَ وَلَا تَقْعُدْ عَلَى ضَمَدِ
وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ فِي آخِرِ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَوْصَافٍ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ. هَذَا عَطاؤُنا: إِشَارَةٌ لِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُلْكِ الضَّخْمِ وَتَسْخِيرِ الرِّيحِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالطَّيْرِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُمْسِكُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ. وَقَّفَهُ عَلَى قَدْرِ النِّعْمَةِ، ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِمَشِيئَتِهِ، وَهُوَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ. قَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ، قَالَهُ قَتَادَةُ: إِشَارَةٌ إِلَى مَا فَعَلَهُ الجن، أي فامنن عَلَى مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، وَأَطْلِقْهُ مِنْ وَثَاقِهِ، وَسَرِّحْهُ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَامْسِكْ أَمْرَهُ كَمَا تُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَهَبَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَأَقْدَرَهُ عَلَيْهِنَّ مِنْ جِمَاعِهِنَّ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ هُنَا ذِكْرُ النِّسَاءِ، وَلَا مَا أُوتِيَ مِنَ الْقُدْرَةِ على ذلك، وبِغَيْرِ حِسابٍ: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ عَطاؤُنا، أَيْ هَذَا عَطَاؤُنَا جَمًّا كَثِيرًا لَا تَكَادُ تَقْدِرُ عَلَى حَصْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ حِسابٍ مِنْ تَمَامِ فَامْنُنْ. أَوْ أَمْسِكْ: أَيْ لَا حِسَابَ عَلَيْكَ فِي إِعْطَاءِ مَنْ شِئْتَ أَوْ حِرْمَانِهِ، وَفِي إِطْلَاقِ مَنْ شِئْتَ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَوْ إِيثَاقِهِ.
وَخَتَمَ تَعَالَى قِصَّتَهُ بِمَا ذَكَرَ فِي قِصَّةِ وَالِدِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَحُسْنَ مَآبٍ، بالنصب عطفا على الزلفى. وقرأ الحسن،