لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، بِتَخْفِيفِ الصَّادِ، مِنَ التَّصْدِيقِ وَفِرْقَةٌ: بِشَدِّهَا، مِنَ التصديق. قَالَ قُرَّةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ النَّهْرَانِيُّ: كَانَا شَرِيكَيْنِ بِثَمَانِيَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، يَعْبُدُ اللَّهَ أَحَدُهُمَا، وَيُقَصِّرُ فِي التِّجَارَةِ وَالنَّظَرِ وَالْآخَرُ كَانَ مُقْبِلًا عَلَى مَالِهِ، فَانْفَصَلَ مِنْ شَرِيكِهِ لِتَقْصِيرِهِ، فَكُلَّمَا اشْتَرَى دَارًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ بُسْتَانًا وَنَحْوَهُ، عَرَضَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَفَخَرَ عَلَيْهِ، فَيَتَصَدَّقُ الْمُؤْمِنُ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ لِيَشْتَرِيَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا فِي الآخرة ما قصه اللَّهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَاحْتَاجَ، فَاسْتَجْدَى بَعْضَ إِخْوَانِهِ، فَقَالَ: وَأَيْنَ مَالُكَ؟
فَقَالَ: تَصَدَّقْتُ بِهِ لِيُعَوِّضَنِي اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ خيرا منه، فقال: أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ، أَوْ مِنَ الْمُتَصَدِّقِينَ لِطَلَبِ الثَّوَابِ؟ وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكَ شيئا.
أَإِنَّا لَمَدِينُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: لَمُجَازُونَ مُحَاسَبُونَ وَقِيلَ:
لَمَسُوسُونَ مَدْيُونُونَ. يُقَالُ: دَانَهُ: سَاسَهُ،
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «الْعَاقِلُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ» .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قالَ هَلْ أَنْتُمْ عَائِدٌ عَلَى قَائِلٍ فِي قَوْلِهِ: قالَ قائِلٌ. قِيلَ: وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَقَالَ لِهَذَا الْقَائِلِ حَاضِرُوهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: إِنَّ قَرِينَكَ هَذَا فِي جَهَنَّمَ يُعَذَّبُ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. وَالْخِطَابُ فِي هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ، وَأَنْ يَكُونَ لِرُفَقَائِهِ فِي الْجَنَّةِ الَّذِينَ كَانَ هُوَ وَإِيَّاهُمْ يَتَسَاءَلُونَ، أَوْ لِخِدْمَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. لَمَّا كَانَ قَرِينُهُ يُنْكِرُ الْبَعْثَ، عَلِمَ أَنَّهُ فِي النَّارِ فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ إِلَى النَّارِ لِأُرِيَكُمْ ذَلِكَ الْقَرِينَ؟ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَحْتَاجُ الْكَلَامُ إِلَى حَذْفٍ، وَلَا لِقَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: إِنَّ قَرِينَكَ فِي جَهَنَّمَ يُعَذَّبُ. قِيلَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ كِوًى يَنْظُرُ أَهْلُهَا مِنْهَا إِلَى أَهْلِ النَّارِ. وَقِيلَ: الْقَائِلُ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: بَلْ تُحِبُّونَ أَنْ تَطَّلِعُوا فَتَعْلَمُوا أَيْنَ مَنْزِلَتُكُمْ مِنْ مَنْزِلَةِ أَهْلِ النَّارِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
مُطَّلِعُونَ، بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَفَتْحِ النُّونِ، وَاطَّلَعَ بِشَدِّ الطَّاءِ فِعْلًا مَاضِيًا. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ: مُطْلَعُونَ، بِإِسْكَانِ الطَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ، فَأُطْلِعَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ فِعْلًا مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وابن محيصن وعمار بن أبي عمار وأبي سراج. وقرىء: فَأَطَّلِعُ، مُشَدَّدًا مُضَارِعًا مَنْصُوبًا على جواب الاستفهام. وقرىء: مُطْلِعُونَ، بِالتَّخْفِيفِ، فَأَطْلَعَ مُخَفَّفًا فِعْلًا مَاضِيًا، وَفَأَطْلِعُ مُخَفَّفًا مُضَارِعًا مَنْصُوبًا. وَقَرَأَ أَبُو البرهسم، وعمار بن أبي عمار فِيمَا ذَكَرَهُ خَلَفٌ عَنْ عَمَّارٍ:
مُطْلِعُونِ، بِتَخْفِيفِ الطَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ، فَأُطْلِعَ مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَرَدَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ. لِجَمْعِهَا بَيْنَ نُونِ الْجَمْعِ وَيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَالْوَجْهُ مُطَّلِعِي، كَمَا قَالَ، أَوَ مُخْرِجِيَّ