وُجُوبِ الْحَذَرِ، فَلْيَحْذَرِ الْمُقْتَصِدُ، وَلْيَهْلِكِ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ حَذَرًا، وَعَلَيْهِمَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ الْمُخَلِّصَةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَا يَغْتَرُّ بِمَا
رَوَاهُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَابِقُنَا سَابِقٌ، وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ، وَظَالِمُنَا مَغْفُورٌ لَهُ»
، فَإِنَّ شَرْطَ ذَلِكَ صِحَّةُ التَّوْبَةِ، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ، وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، وَلَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مَنِ اسْتَقْرَأَهَا اطَّلَعَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَلَمْ يُعَلِّلْ نَفْسَهُ بِالْخِدَاعِ. انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُحَلَّوْنَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَشَدِّ اللَّامِ، مَبْنِيًّا للمفعول.
وقرىء: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، مِنْ حَلِيَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَالٍ، إِذَا لَبِسَتِ الْحُلِيَّ. وَيُقَالُ: جِيدٌ حَالٍ، إِذَا كَانَ فِيهِ الْحَلْيُ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ الْكَلَامُ عَلَى يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْحَزَنَ: بفتحتين وقرىء بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ، ذَكَرَهُ جَنَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ، وَالْحَزَنُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَحْزَانِ، وَقَدْ خَصَّ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا وَأَكْثَرُوا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: حَزَنٌ: أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا يُصِيبُ هُنَالِكَ مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ مِنَ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ. وَقَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: مَعِيشَةُ الدُّنْيَا الْخَيْرُ وَنَحْوُهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
حَزَنُ الدُّنْيَا فِي الْحَوْفَةِ أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ أَعْمَالَهُمْ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: حَزَنُ الِانْتِقَالِ، يَقُولُونَهَا إِذَا اسْتَقَرُّوا فِيهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَوْفُ الشَّيْطَانِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَزَنٌ: تَظَالُمُ الْآخِرَةِ، وَالْوُقُوفُ عَنْ قَبُولِ الطَّاعَاتِ وَرَدِّهَا، وَطُولُ الْمُكْثِ عَلَى الصِّرَاطِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ:
حَزَنٌ: زَوَالُ الْغَمِّ وَتَقَلُّبُ الْقَلْبِ وَخَوْفُ الْعَاقِبَةِ، وَقَدْ أَكْثَرُوا حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: كِرَاءُ الدَّارِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ حَزَنٍ مِنْ أَحْزَانِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا حَتَّى هَذَا. إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، لَغَفُورٌ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ الْجَنَّةَ، وشكور: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى السَّابِقِ وأنه كثير الحسنات.
والمقامة: هِيَ الْإِقَامَةُ أَيِ الْجَنَّةُ، لِأَنَّهَا دَارُ إِقَامَةٍ دَائِمًا لَا يُرْحَلُ عَنْهَا. مِنْ فَضْلِهِ: مِنْ عَطَائِهِ.
لَا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ: أَيْ تَعَبُ بَدَنٍ، وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ: أَيْ تَعَبُ نَفْسٍ، وَهُوَ لَازِمٌ عَنْ تَعَبِ الْبَدَنِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: اللُّغُوبُ: الْوَضْعُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّصَبُ: التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ الَّتِي تُصِيبُ الْمُنْتَصِبَ الْمُزَاوِلَ لَهُ، وَأَمَّا اللُّغُوبُ: فَمَا يَلْحَقُهُ من القتور بِسَبَبِ النَّصَبِ. فَالنَّصَبُ نَفْسُ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ، وَاللُّغُوبُ نَتِيجَتُهُ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مِنَ الْكَلَالِ وَالْفَتْرَةِ. انْتَهَى. فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا انْتَفَى السَّبَبُ انْتَفَى مُسَبَّبُهُ، فَمَا حُكْمُهُ إِذَا نُفِيَ السَّبَبُ وَانْتَفَى مُسَبَّبُهُ؟ وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا شَبِعْتُ وَلَا أَكَلْتُ، وَلَا يَحْسُنُ مَا أَكَلْتُ وَلَا شَبِعْتُ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ