الْفُرْقَانِ (?) . وَهُنَا بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ صِفَةٌ لِلْعَرَبِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: سائِغٌ شَرابُهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
سَائِغٌ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ سَاغَ. وَقَرَأَ عِيسَى: سَيِّغٌ عَلَى وَزْنِ فَيْعِلٍ، كَمَيِّتٍ وَجَاءَ كَذَلِكَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ. وَقَرَأَ عِيسَى أَيْضًا: سَيْغٌ مُخَفَّفًا مِنَ الْمُشَدَّدِ، كَمَيْتٍ مُخَفَّفِ مَيِّتٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مِلْحٌ، وَأَبُو نَهِيكٍ وَطَلْحَةُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ:
وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا مِنْ مَالِحٍ، فَحُذِفَ الْأَلِفُ تَخْفِيفًا. وَقَدْ يُقَالُ: مَاءٌ مِلْحٌ فِي الشُّذُوذِ، وَفِي الْمُسْتَعْمَلِ: مَمْلُوحٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ضَرَبَ الْبَحْرَيْنِ، الْعَذْبَ وَالْمِلْحَ، مَثَلَيْنِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. ثُمَّ قَالَ عَلَى صِفَةِ الِاسْتِطْرَادِ فِي صِفَةِ الْبَحْرَيْنِ وَمَا عُلِّقَ بِهَا: مِنْ نِعْمَتِهِ وَعَطَائِهِ. وَمِنْ كُلٍّ، مِنْ شَرَحَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَلْفَاظًا مِنَ الْآيَةِ تَكَرَّرَتْ فِي سُورَةِ النَّحْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ طَرِيقَةِ الِاسْتِطْرَادِ، وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَ الْجِنْسَيْنِ بِالْبَحْرَيْنِ، ثُمَّ يُفَضِّلَ الْبَحْرَ الْأُجَاجَ عَلَى الْكَافِرِ، بِأَنَّهُ قَدْ شَارَكَ الْعَذْبَ فِي مَنَافِعَ مِنَ السَّمَكِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَجَرْيِ الْفُلْكِ فِيهِ. وَلِلْكَافِرِ خُلُوٌّ مِنَ النَّفْعِ، فَهُوَ فِي طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ (?) الْآيَةَ. انْتَهَى. لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ: يُرِيدُ التِّجَارَاتِ وَالْحَجَّ وَالْغَزْوَ، أَوْ كُلَّ سَفَرٍ لَهُ وَجْهٌ شَرْعِيٌّ.
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ: تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْجُمَلِ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ، مِنْ إِرْسَالِ الرِّيَاحِ، وَالْإِيجَادِ مِنْ تُرَابٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَإِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، وَتَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الْغَرِيبَةِ هُوَ اللَّهُ فَقَالَ:
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ، وَهِيَ أَخْبَارٌ مُتَرَادِفَةٌ وَالْمُبْتَدَأُ ذلِكُمُ، واللَّهُ رَبُّكُمْ خبران، ولَهُ الْمُلْكُ جُمْلَةُ مُبْتَدَأٍ فِي قِرَانِ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ فِي حُكْمِ الْإِعْرَابِ إِيقَاعُ اسْمِ اللَّهِ صِفَةً لِاسْمِ الْإِشَارَةِ وَعَطْفَ بَيَانٍ، وَرَبُّكُمْ خَبَرٌ، لَوْلَا أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ. انْتَهَى. أَمَّا كَوْنُهُ صِفَةً، فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلَمٌ، وَالْعَلَمُ لَا يُوصَفُ بِهِ، وَلَيْسَ اسم جنس كالرجال، فَتُتَخَيَّلُ فِيهِ الصِّفَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْلَا أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ، فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ المذكورة ربكم، أي مالكم، أَوْ مُصْلِحُكُمْ، وَهَذَا مَعْنًى لَائِقٌ سَائِغٌ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هِيَ الْأَوْثَانُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَدْعُونَ، بِتَاءِ الْخِطَابِ، وَعِيسَى، وَسَلَّامٌ، وَيَعْقُوبُ: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَامِلِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ جُبَارَةَ: يَدْعُونَ بِالْيَاءِ، اللُّؤْلُؤِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَسَلَّامٌ، وَالنَّهَاوَنْدِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنُ الْجَلَّاءِ عَنْ نُصَيْرٍ، وَابْنُ حبيب