وَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا، دَعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَذَكَّرُوهُمْ نِعَمَهُ، فَكَذَّبُوهُمْ وَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ لِلَّهِ نِعْمَةً، فَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ. كَمَا قَالَ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها (?) ، إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (?) ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجُرَذَ فَأْرًا أَعْمَى تَوَالَدَ فِيهِ، وَيُسَمَّى الْخُلْدُ، وَخَرَقَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَأَرْسَلَ سَيْلًا فِي ذَلِكَ الْوَادِي، فَحَمَلَ ذَلِكَ السَّدَّ، فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْعِظَمِ، وَكَثُرَ بِهِ الْمَاءُ بِحَيْثُ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَحَمَلَ الْجَنَّاتِ وَكَثِيرًا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يُمْكِنُهُ الْفِرَارُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا خَرَقَ السَّدَّ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ يَبْسِ الْجَنَّاتِ، فَهَلَكَتْ بِهَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ، وَأَبُو مَيْسَرَةَ: الْعَرِمُ فِي لُغَةِ الْيَمَنِ جَمْعُ عَرِمَةٍ وَهِيَ: كُلُّ مَا بُنِيَ أَوْ سُنِمَ لِيُمْسِكَ الْمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْعَرِمُ: الْمُسَنَّاةُ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.

وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ عَرَبِيٌّ، وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْبِنَاءِ بِلُغَةِ الْحِجَازِ الْمُسَنَّاةُ، كَأَنَّهَا الْجُسُورُ وَالسِّدَادُ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْأَعْشَى:

وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ ... مَآرِبُ عَفَى عَلَيْهَا العرم

رجام بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيَرُ ... إِذَا جَاشَ دِفَاعُهُ لَمْ يَرِمْ

فَأَرْوَى الزُّرُوعَ وَأَشْجَارَهَا ... عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُ إِذْ قُسِمْ

فَصَارُوا أَيَادِيَ لَا يَقْدِرُو ... نَ مِنْهُ عَلَى شِرْبِ طِفْلٍ فَطِمْ

وَقَالَ آخَرُ:

وَمِنْ سَبَأٍ لِلْحَاضِرِينَ مَآرِبُ ... إِذَا بَنَوْا مِنْ دُونِهِ سَيْلَ الْعَرِمِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ: الْعِرَمُ اسْمٌ، وَإِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ السَّدُّ بُنِيَ بِهِ. انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى الْوَادِي بِذَلِكَ الْبِنَاءِ لِمُجَاوَرَتِهِ لَهُ، فَصَارَ عَلَمًا عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْعَرِمُ: الشَّدِيدُ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلسَّيْلِ أُضِيفَ فِيهِ الْمَوْصُوفُ إِلَى صِفَتِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: السَّيْلُ الْعَرِمُ، أَوْ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ سَيْلُ الْمَطَرِ الشَّدِيدِ الَّذِي كَانَ عَنْهُ السَّيْلُ، أَوْ سَيْلُ الْجُرَذِ الْعَرِمِ، فَالْعَرِمُ صِفَةٌ لِلْجُرَذِ. وَقِيلَ: الْعَرِمُ اسْمٌ لِلْجُرَذِ، وَأُضِيفَ السَّيْلُ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَانَ السَّبَبَ فِي خَرَابِ السَّدِّ الَّذِي حَمَلَهُ السَّيْلُ، وَالْإِضَافَةُ تَكُونُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَقَرَأَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ فِيمَا حَكَى ابْنُ خَالَوَيْهِ: الْعَرْمُ، بِإِسْكَانِ الرَّاءِ تَخْفِيفُ الْعَرِمِ، كَقَوْلِهِمْ: فِي الْكَبِدِ الْكَبْدُ.

وَلَمَّا غَرِقَ مَنْ غَرِقَ، وَنَجَا مَنْ نَجَا، تَفَرَّقُوا وَتَحَرَّفُوا حَتَّى ضَرَبَتِ العرب بهم المثل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015