سُجُودِهِمْ عِنْدَ التَّذْكِيرِ، وَتَسْبِيحِهِمْ وَعَدَمِ اسْتِكْبَارِهِمْ بِخِلَافِ مَا يَصْنَعُ الْكَفَرَةُ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّذْكِيرِ، وَقَوْلِ الْهَجْرِ، وَإِظْهَارِ التَّكَبُّرِ وَهَذِهِ السَّجْدَةُ مِنْ عَزَائِمِ سُجُودِ الْقُرْآنُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السُّجُودُ هُنَا بِمَعْنَى الرُّكُوعِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: الْمَسْجِدُ مَكَانُ الرُّكُوعِ، يَقْصِدُ مِنْ هَذَا وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مَدَنِيَّةً وَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْقَارِئَ لِلسَّجْدَةِ يَرْكَعُ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (?) . تَتَجافى جُنُوبُهُمْ: أَيْ تَرْتَفِعُ وَتَتَنَحَّى، يُقَالُ: جَفَا الرَّجُلُ الْمَوْضِعَ: تَرَكَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
نَبِيٌّ تَجَافَى جَنْبُهُ عَنْ فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين الْمَضَاجِعُ
وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالرُّمَّانِيُّ: التَّجَافِي: التَّنَحِّي إِلَى جِهَةِ فَوْقَ. وَالْمَضَاجِعُ: أَمَاكِنُ الِاتِّكَاءِ لِلنَّوْمِ، الْوَاحِدُ مَضْجَعٌ، أَيْ هُمْ مُنْتَبِهُونَ لَا يَعْرِفُونَ نَوْمًا. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِهَذَا التَّجَافِي صَلَاةُ النَّوَافِلِ بِاللَّيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَفِي الْحَدِيثِ، ذَكَرَ قِيَامَ اللَّيْلِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِالْآيَةِ، يَعْنِي الرَّسُولَ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ: تَجَافِي الْجَنْبِ: هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ التَّهَجُّدُ وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ وَعَطَاءٌ: هُوَ الْعَتَمَةُ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ، عَنْ أَنَسٍ:
نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَعِكْرِمَةُ: التَّنَفُّلُ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، يَدْعُونَ: حَالٌ، أَوْ مُسْتَأْنَفٌ خَوْفًا وَطَمَعًا، مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ: الِابْتِهَالُ إِلَى اللَّهِ، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مَا أُخْفِيَ لَهُمْ، فِعْلًا مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَحَمْزَةُ، والأعمش، ويعقوب: بسكون لياء، فِعْلًا مُضَارِعًا لِلْمُتَكَلِّمِ وَابْنُ مَسْعُودٍ: وَمَا نُخْفِي، بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَالْأَعْمَشُ أَيْضًا: أَخْفَيْتُ. وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: مَا أَخْفَى، فِعْلًا مَاضِيًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مِنْ قُرَّةِ، عَلَى الْإِفْرَادِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَوْفٌ الْعُقَيْلِيُّ: مِنْ قُرَّاتِ، عَلَى الْجَمْعِ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ والأعمش وما أُخْفِيَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً، وَأَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً، فَيَكُونُ تَعْلَمُ مُتَعَلِّقُهُ.
وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ، إِنْ كَانَ تَعْلَمُ مِمَّا عُدِّيَ لِوَاحِدٍ وَفِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولَيْنِ إِنْ كَانَتْ تَتَعَدَّى لِاثْنَيْنِ، وتقدم تفسيره في قُرَّتُ عَيْنٍ (?) في الفرقان.
وَفِي الْحَدِيثِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ على قلب