لَهَا. فَإِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ غَيْرَ مُعْتَمِدَةٍ عَلَى أَدَاةٍ، جَاءَتِ الصِّفَةُ بَعْدَ إِلَّا نَحْوَ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إلا زيد خير من عَمْرٍو، التَّقْدِيرُ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ خَيْرٌ مِنْ عَمْرٍو إِلَّا زَيْدٌ. وَأَمَّا كَوْنُ الْوَاوِ تُزَادُ لِتَأْكِيدِ وَصْلِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ، فَغَيْرُ مَعْهُودٍ فِي كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ. لَوْ قُلْتَ: جَاءَنِي رَجُلٌ وَعَاقِلٌ، عَلَى أَنْ يَكُونَ وَعَاقِلٌ صِفَةً لِرَجُلٍ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْوَاوُ فِي الصِّفَاتِ جَوَازًا إِذَا عَطْفُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَتَغَايَرَ مَدْلُولُهَا نَحْوَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الْكَرِيمِ وَالشُّجَاعِ وَالشَّاعِرِ. وَأَمَّا وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ.
ذِكْرى: مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ عِنْدَ الْكِسَائِيِّ، وَعَلَى الْمَصْدَرِ عِنْدَ الزَّجَّاجِ. فَعَلَى الْحَالِ، إِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ ذَوِي ذِكْرَى، أَوْ مُذَكِّرِينَ. وَعَلَى الْمَصْدَرِ، فَالْعَامِلُ مُنْذِرُونَ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مُذَكِّرُونَ ذِكْرَى، أَيْ تَذْكِرَةً. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي ذِكْرَى أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ، قَالَ:
عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ يُنْذَرُونَ لِأَجْلِ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّذْكِرَةِ، وَأَنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً صِفَةً بِمَعْنَى مُنْذِرُونَ ذَوُو ذِكْرَى، أَوْ جُعَلُوا ذِكْرَى لِإِمْعَانِهِمْ فِي التَّذْكِرَةِ وَإِطْنَابِهِمْ فِيهَا. وَأَجَازَ هُوَ وَابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِمَعْنَى هَذِهِ ذِكْرَى، وَالْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرَى مُتَعَلِّقَةً بِأَهْلَكْنَا مَفْعُولًا لَهُ، وَالْمَعْنَى: وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ظَالِمِينَ إِلَّا بعد ما أَلْزَمْنَاهُمُ الْحُجَّةَ بِإِرْسَالِ الْمُنْذِرِينَ إِلَيْهِمْ، لِتَكُونَ تَذْكِرَةً وَعِبْرَةً لِغَيْرِهِمْ، فَلَا يَعْصُوا مِثْلَ عِصْيَانِهِمْ. وَما كُنَّا ظالِمِينَ، فَنُهْلِكُ قَوْمًا غَيْرَ ظَالِمِينَ، وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. انْتَهَى. وَهَذَا لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَا قَبْلَ إِلَّا لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى، أَوْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ، أَوْ تَابِعًا لَهُ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلَى الْأَدَاةِ نَحْوِ: مَا مَرَرْتُ بِأَحَدٍ إِلَّا زيد خَيْرٍ مِنْ عَمْرٍو. وَالْمَفْعُولُ لَهُ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَهْلَكْنَا. وَيَتَخَرَّجُ جَوَازُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْكِسَائِيِّ وَالْأَخْفَشِ، وَإِنْ كَانَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ بِخُصُوصِيَّتِهِ.
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ، وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ، فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ، وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ، تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ، وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا