النُّشُورِ بِالْحَيَاةِ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ نُشُوراً هُوَ بِمَعْنَى الِانْتِشَارِ وَالْحَرَكَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَيُحْتَمَلُ أن يريد بِالنُّشُورِ وَقْتَ انْتِشَارٍ وَتَفَرُّقٍ لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَابْتِغَاءِ فَضْلِ الله. والنَّهارَ نُشُوراً وَمَا قَبْلَهُ مِنْ بَابِ لَيْلٌ نَائِمٌ وَنَهَارٌ صَائِمٌ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَعَ دَلَالَتِهَا عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ فِيهَا إِظْهَارٌ لِنِعْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، لِأَنَّ الِاحْتِجَابَ بِسِتْرِ اللَّيْلِ كَمْ فِيهِ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَوَائِدُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدِي مِنْ يَدٍ ... تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ
وَالنَّوْمُ وَالْيَقَظَةُ وَشَبَّهَهُمَا بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ أَيْ عِبْرَةٌ فِيهِمَا لِمَنِ اعْتَبَرَ. وَعَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ كَمَا تَنَامُ فَتُوقَظُ فَكَذَلِكَ تَمُوتُ فَتُنْشَرُ.
وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةِ الرِّيحِ بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ فِي الْبَقَرَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقِرَاءَةُ الْجَمْعِ أَوْجَهُ لِأَنَّ عُرْفَ الرِّيحِ مَتَى وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ مُفْرَدَةً فَإِنَّمَا هِيَ لِلْعَذَابِ، وَمَتَّى كَانَتْ لِلْمَطَرِ وَالرَّحْمَةِ فَإِنَّمَا هِيَ رِيَاحٌ لِأَنَّ رِيحَ الْمَطَرِ تَتَشَعَّبُ وَتَتَدَاءَبُ وَتَتَفَرَّقُ وَتَأْتِي لَيِّنَةً وَمِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَشَيْئًا إِثْرَ شَيْءٍ، وَرِيحَ الْعَذَابِ خَرَجَتْ لَا تَتَدَاءَبُ وَإِنَّمَا تَأْتِي جَسَدًا وَاحِدًا. أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحَطِّمُ مَا تَجِدُ وَتَهْدِمُهُ. قَالَ الرُّمَّانِيُّ: جُمِعَتْ رِيَاحُ الرَّحْمَةِ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ لَوَاقِحَ: الْجَنُوبُ، وَالصَّبَا، وَالشَّمَالُ. وَأُفْرِدَتْ رِيحُ الْعَذَابِ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ لَا تُلْقِحُ وَهِيَ الدَّبُورُ. قَالَ- أَيِ ابْنُ عَطِيَّةَ-: يَرُدُّ هَذَا
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا»
انْتَهَى. وَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ كُلًّا مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَوَاتِرٌ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الرِّيحِ لِلْجِنْسِ فَتَعُمُّ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الرُّمَّانِيِّ يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رِيَاحًا» . الثَّلَاثَةَ اللَّوَاقِحَ
وَبِقَوْلِهِ «وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا»
الدَّبُورَ. فَيَكُونُ مَا قَالَهُ الرُّمَّانِيُّ مُطَابِقًا لِلْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ.
وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةِ نَشْراً وَفِي مَدْلُولِهِ فِي الْأَعْرَافِ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اسْتِعَارَةٌ حَسَنَةٌ أَيْ قُدَّامَ الْمَطَرِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مُعْلَمًا بِهِ. وَالطَّهُورُ فَعُولٌ إما للمبالغة كنؤوم فَهُوَ مَعْدُولٌ عَنْ طَاهِرٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالسَّحُورِ وَالْفَطُورِ، وَإِمَّا مَصْدَرٌ لِتَطَهَّرَ جَاءَ عَلَى غَيْرِ الْمَصْدَرِ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ. وَالظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ مَاءً طَهُوراً أَنْ يَكُونَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي طَهَارَتِهِ وَجِهَةُ الْمُبَالَغَةِ كَوْنُهُ لَمْ يَشُبْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا نَبَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ تَشُوبُهُ أَجْزَاءٌ أَرْضِيَّةٌ مِنْ مَقَرِّهِ أَوْ مَمَرِّهِ أَوْ مِمَّا يُطْرَحُ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالِاسْمِ وَبِالْمَصْدَرِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ شَرْحًا لِمُبَالَغَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ