هُوَ أَبْلَغُ وَآكَدُ كَمَا أَنَّ رَحِمَكَ اللَّهُ وَيَرْحَمُكَ اللَّهُ أَبْلَغُ مِنْ لِيَرْحَمْكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَحْضًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ عَادَتَهُمْ جَارِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يُدْخِلَ نَفْسَهُ تَحْتَ هَذِهِ الْعَادَةِ وَيَتَصَوَّنَ عَنْهَا انْتَهَى. وقرأ أبو البر هيثم وَحُرِّمَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيِ اللَّهِ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَحُرِّمَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجُمْهُورُ وَحُرِّمَ مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.

وَالْقَذْفُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الزِّنَا لِاعْتِقَابِهِ إِيَّاهُ وَلِاشْتِرَاطِ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَهُوَ مِمَّا يَخُصُّ الْقَذْفَ بِالزِّنَا إِذْ فِي غَيْرِهِ يَكْفِي شَاهِدَانِ. قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: وَنَزَلَتْ بِسَبَبِ قِصَّةِ الْإِفْكِ. وَقِيلَ: بِسَبَبِ الْقَذَفَةِ عَامًّا، وَاسْتُعِيرَ الرَّمْيُ لِلشَّتْمِ لِأَنَّهُ إِذَايَةٌ بِالْقَوْلِ. كَمَا قَالَ:

وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ الْيَدِ وَقَالَ:

رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي ... بَرِيئًا وَمِنْ أَجْلِ الطويّ رماني

والْمُحْصَناتِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ النِّسَاءُ الْعَفَائِفُ، وَخَصَّ النِّسَاءَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الرِّجَالُ يَشْرَكُونَهُنَّ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِيهِنَّ أَشْنَعُ وَأَنْكَرُ لِلنُّفُوسِ، وَمِنْ حَيْثُ هُنَّ هَوَى الرِّجَالِ فَفِيهِ إِيذَاءٌ لَهُنَّ وَلِأَزْوَاجِهِنَّ وَقَرَابَاتِهِنَّ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى الْفُرُوجُ الْمُحْصَنَاتُ كَمَا قَالَ: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها (?) . وَقِيلَ: الْأَنْفُسُ الْمُحْصَنَاتُ وَقَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ: وَحَكَاهُ الزَّهْرَاوِيُّ فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَكُونُ اللَّفْظُ شَامِلًا لِلنِّسَاءِ وَلِلرِّجَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي قَوْلِهِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ (?) وَثَمَّ مَحْذُوفٌ أَيْ بِالزِّنَا، وَخَرَجَ بِالْمُحْصَنَاتِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهَا أَوْ زِنَاهُ، وَاسْتَلْزَمَ الْوَصْفُ بِالْإِحْصَانِ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَالْحُرِّيَّةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، والمراد بالمحصنات غير المتزوجات الرَّامِينَ أَوْ لِمَنْ زَوْجُهُ حُكْمٌ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَالرَّمْيُ بِالزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هو التصريح بِأَنْ يَقُولَ: يَا زَانِيَةُ، أَوْ يَا زَانِي، أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِي وَابْنَ الزَّانِيَةِ، يَا وَلَدَ الزِّنَا لَسْتَ لِأَبِيكَ لَسْتَ لِهَذِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الصَّرَائِحِ، فَلَوْ عَرَّضَ كَأَنْ يَقُولَ: مَا أَنَا بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ لَمْ يُحَدَّ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ، وَيُحَدُّ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَثَبَتَ الْحَدُّ فِيهِ عَنْ عُمَرَ بَعْدَ مُشَاوَرَتِهِ النَّاسَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هُوَ قَذْفٌ فِي حَالِ الْغَضَبِ دُونَ الرِّضَا، فَلَوْ قَذَفَ كِتَابِيًّا إِذَا كَانَ لِلْمَقْذُوفِ وَلَدٌ مُسْلِمٌ. وَقِيلَ: إِذَا قَذَفَ الْكِتَابِيَّةَ تَحْتَ الْمُسْلِمِ حُدَّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَاذِفَ الصَّبِيِّ لَا يُحَدُّ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُجَامِعُ، واختلفوا في قاذف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015