إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. قَرَأَ أُبَيٌّ وَهَارُونُ الْعَتَكِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ لِأَنَّهُ، وَالْجُمْهُورُ بِكَسْرِهَا وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَهُوَ مَحْذُوفٌ مَعَ أَنَّ الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ وَالْفَرِيقُ هُنَا هُمُ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا يُقَالُ لِلْكُفَّارِ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ، وَنَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ مَعَ صُهَيْبٍ وَعَمَّارٍ وَبِلَالٍ وَنُظَرَائِهِمْ، ثُمَّ هِيَ عَامَّةٌ فِيمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ قَدِيمًا وَبَقِيَّةَ الدَّهْرِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَنَافِعٌ سِخْرِيًّا بِضَمِّ السِّينِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْكَسْرِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَصْدَرُ سَخِرَ كَالسُّخْرِ إِلَّا أَنَّ فِي يَاءِ النَّسَبِ زِيَادَةَ قُوَّةٍ فِي الْفِعْلِ، كَمَا قِيلَ: الْخُصُوصِيَّةُ فِي الْخُصُوصِ وَهُمَا بِمَعْنَى الْهُزْءِ فِي قَوْلُ الْخَلِيلِ وَأَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَسِيبَوَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: ضَمُّ السِّينِ مِنَ السُّخْرَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْكَسْرُ مِنَ السَّخْرِ وَهُوَ الِاسْتِهْزَاءُ.

وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:

إِنِّي أَتَانِي حَدِيثٌ لَا أُسِرُّ بِهِ ... مِنْ عُلْوٍ لَا كَذِبٌ فِيهِ وَلَا سَخَرُ

وَقَالَ يُونُسُ: إِذَا أُرِيدَ التَّخْدِيمُ فَضَمُّ السِّينِ لَا غَيْرُ، وَإِذَا أُرِيدَ الْهُزْءُ فَالضَّمُّ وَالْكَسْرُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ.

وَقَرَأَ أَصْحَابُ عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَعْرَجُ بِضَمِّ السِّينِ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو عَمْرٍو بِالْكَسْرِ إِلَّا الَّتِي فِي الزُّخْرُفِ فَإِنَّهُمَا ضَمَّا السِّينَ كَمَا فَعَلَ النَّاسُ انْتَهَى.

وَكَانَ قَدْ قَالَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ يَعْنِي الْفَارِسِيَّ أَنَّ قِرَاءَةَ كَسْرِ السِّينِ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ، وَالْكَسْرُ فِيهِ أَكْثَرُ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْآيَةِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ انْتَهَى قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَلَا تَرَى إِلَى إِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى ضَمِّ السِّينِ فِي قَوْلِهِ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا (?) لَمَّا تَخَلَّصَ الْأَمْرُ لِلتَّخْدِيمِ انْتَهَى. وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى ضَمِّ السِّينِ فِي الزُّخْرُفِ صَحِيحًا لِأَنَّ ابْنَ مُحَيْصِنٍ وَابْنَ مُسْلِمٍ كَسَرَا فِي الزُّخْرُفِ، ذَكَرَ ذَلِكَ أبو القاسم بْنِ جُبَارَةَ الْهُذَلِيُّ فِي كِتَابِ الْكَامِلِ.

فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا أَيْ هُزْأَةً تهزؤون مِنْهُمْ حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي أَيْ بِتَشَاغُلِكُمْ بِهِمْ فَتَرَكْتُمْ ذِكْرِي أَيْ أَنْ تَذْكُرُونِي فَتَخَافُونِي فِي أَوْلِيَائِي، وَأَسْنَدَ النِّسْيَانَ إِلَى فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ كَانَ سَبَبُهُ.

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَارِجَةُ عَنْ نَافِعٍ إِنَّهُمْ هُمُ بِكَسْرِ الهمزة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015