قَالَ الْأَخْفَشُ: الْجَرُّ أَجْوَدُ لِيَكُونَ الْكَلَامُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّفْعُ أَنَّ الْكَلَامَ قَدِ انْقَطَعَ، يَعْنِي أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ عالِمِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالرَّفْعُ عِنْدِي أَبْرَعُ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَتَعالى عَاطِفَةٌ فَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ شُجَاعٌ فَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ أَيْ شَجُعَ فَعَظُمَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَأَقُولُ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ على إخبار مؤتنف. والْغَيْبِ مَا غَابَ عَنِ النَّاسِ والشَّهادَةِ مَا شَاهَدُوهُ انْتَهَى.
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ.
لَمَّا ذَكَرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ مِنِ ادِّعَاءِ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ لَهُ، وَكَانَ تَعَالَى قد أعلم نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أَنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْ إِذْ ذَاكَ فِي حَيَاتِهِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَمَرَهُ بِأَنَّهُ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ أَيْ إِنْ تُرِنِي مَا تَعِدُهُمْ وَاقِعًا بِهِمْ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَلَا تَجْعَلْنِي مَعَهُمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعْصُومٌ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِجَعْلِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ إِظْهَارًا لِلْعُبُودِيَّةِ وَتَوَاضُعًا لِلَّهِ، وَاسْتِغْفَارُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ سَبْعِينَ مَرَّةً مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وُلِّيتُكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيْرُهُمْ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ يَهْضِمُ نَفْسَهُ.
وَجَاءَ الدُّعَاءُ بِلَفْظِ الرَّبِّ قَبْلَ الشَّرْطِ وَقَبْلَ: الْجَزَاءِ مُبَالَغَةً فِي الِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّضَرُّعَ، وَلِأَنَّ الرَّبُّ هُوَ الْمَالِكُ النَّاظِرُ فِي مَصَالِحِ الْعَبْدِ. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وأبو عمر إن الْجَوْنِيُّ تُرِئَنِّي بِالْهَمْزِ بَدَلَ الياء، وهذا كما قرىء فَإِمَّا تَرَئِنَّ وَلَتَرَؤُنَّ بِالْهَمْزِ وَهُوَ إِبْدَالٌ ضَعِيفٌ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَعْجِيلِ الْعَذَابِ لَهُمْ كَمَا كَانُوا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَكِنَّ تَأْخِيرَهُ لأجل يستوفونه، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا. فَقِيلَ: يَوْمُ بَدْرٍ. وَقِيلَ: فَتْحُ مَكَّةَ. وَقِيلَ: هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ.