عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِكْبَارِ وَعَدَاوَةِ رسول الله وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِفْرَاطِهِمْ فِيهَا. وَقِيلَ: المعنى ولو امْتَحَنَّاهُمْ بِكُلِّ مِحْنَةٍ مِنَ القتل والجوع فما ريء فِيهِمِ اسْتِكَانَةٌ وَلَا انْقِيَادٌ حَتَّى إِذَا عُذِّبُوا بِنَارِ جَهَنَّمَ أُبْلِسُوا، كَقَوْلِهِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ «1» لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ «2» فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْفَتْحُ لِبَابِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي الْآخِرَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَانَ فِي الدُّنْيَا.

وَوَزْنُ اسْتَكَانَ اسْتَفْعَلَ أَيِ انْتَقَلَ مِنْ كَوْنٍ إِلَى كَوْنٍ كَمَا تَقُولُ: اسْتَحَالَ انْتَقَلَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اسْتَكَانَ افْتَعَلَ مِنَ السُّكُونِ وَأَنَّ الْأَلِفَ إِشْبَاعٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْإِشْبَاعَ بَابُهُ لشعر كَقَوْلِهِ:

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْعَقْرَابِ ... الشائلات عقد الأذناب

وَلِأَنَّ الْإِشْبَاعَ لَا يَكُونُ فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَشْبَعَ فِي قَوْلِهِ:

وَمِنْ ذَمِّ الزَّمَانِ بِمُنْتَزَاحِ لَا تَقُولُ انْتِزَاحَ يَنْتَزِيحُ فَهُوَ مُنْتَزِيحٌ، وَأَنْتَ تَقُولُ: اسْتَكَانَ يَسْتَكِينُ فَهُوَ مُسْتَكِينٌ وَمُسْتَكَانٌ وَمَجِيءُ مَصْدَرِهِ اسْتِكَانَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَزْنُهُ اسْتَفْعَلَ كَاسْتَقَامَ اسْتِقَامَةً، وَتَخَالَفَ اسْتَكانُوا ويَتَضَرَّعُونَ فِي الصِّيغَةِ فَلَمْ يَكُونَا مَاضِيَيْنِ وَلَا مُضَارِعَيْنِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَّ الْمَعْنَى مَحَنَّاهُمْ فَمَا وُجِدَتْ مِنْهُمْ عَقِيبَ الْمِحْنَةِ اسْتِكَانَةٌ، وَمَا مِنْ عَادَةِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَسْتَكِينُوا وَيَتَضَرَّعُوا حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْهِمْ باب العذاب الشديد.

والملبس: الْآيِسُ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي نَالَهُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ مُبْلِسُونَ بفتح اللام.

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 78 الى 118]

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ (81) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)

لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87)

قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)

قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97)

وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102)

وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107)

قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)

قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (113) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117)

وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015