لِلْجَزَاءِ فَإِنْ قُلْتَ: الْمَوْتُ مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، وَالْبَعْثُ قَدْ أَنْكَرَتْهُ طَوَائِفُ وَاسْتَبْعَدَتْهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِإِمْكَانِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَجِيءِ السَّمْعِ بِهِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِهِ فَمَا بَالُ جُمْلَةِ الْمَوْتِ جَاءَتْ مُؤَكَّدَةً بِأَنَّ وَبِاللَّامِ وَلَمْ تُؤَكَّدْ جملة البعث بِإِنَّ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ بُولِغَ فِي تَأْكِيدِ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَلَا يَغْفُلَ عَنْ تَرَقُّبِهِ، فَإِنَّ مَآلَهُ إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أُكِّدَتْ جُمْلَتُهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ لِهَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَسْعَى فِيهَا غَايَةَ السَّعْيِ، وَيُؤَكِّدُ وَيَجْمَعُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُخَلَّدٌ فِيهَا فَنُبِّهَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ مُؤَكَّدًا مُبَالَغًا فِيهِ لِيُقْصِرَ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ آخِرَهُ إِلَى الْفَنَاءِ فَيَعْمَلَ لِدَارِ الْبَقَاءِ، وَلَمْ تُؤَكَّدْ جملة البعث إلا بإن لِأَنَّهُ أُبْرِزَ فِي صُورَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ نِزَاعُ وَلَا يقبل إنكارا وإنه حَتْمٌ لَا بُدَّ مِنْ كِيَانِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى توكيد ثان، وكنت سئلت لِمَ دَخَلَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَمَيِّتُونَ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي تُبْعَثُونَ فَأَجَبْتُ: بِأَنَّ اللام مخلصة المضارع للحال غَالِبًا فَلَا تُجَامِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ إِعْمَالَ تُبْعَثُونَ فِي الظَّرْفِ الْمُسْتَقْبَلِ تُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَتَنَافَى الْحَالُ، وَإِنَّمَا قُلْتُ غَالِبًا لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ قَلِيلًا مَعَ الظَّرْفِ الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (?) عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِقْرَارُ اللام مخلصة المضارع للحال بِأَنْ يُقَدَّرَ عَامِلٌ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ.
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى ابْتِدَاءَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَانْتِهَاءَ أَمْرِهِ ذَكَّرَهُ بِنِعَمِهِ وسَبْعَ طَرائِقَ السموات قِيلَ لَهَا طَرَائِقُ لِتَطَارُقِ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ، طَارَقَ النَّعْلَ جَعَلَهُ عَلَى نَعْلٍ، وَطَارَقَ بَيْنَ ثَوْبَيْنِ لَبِسَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَالْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ كَقَوْلِهِ طِباقاً (?) . وَقِيلَ: لِأَنَّهَا طَرَائِقُ الْمَلَائِكَةِ فِي الْعُرُوجِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا طَرَائِقُ فِي الْكَوَاكِبِ فِي مَسِيرِهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ لِكُلِّ سَمَاءٍ طَرِيقَةً وَهَيْئَةً غَيْرَ هَيْئَةِ الْأُخْرَى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الطَّرَائِقُ بِمَعْنَى الْمَبْسُوطَاتِ من طرقت الشيء.