لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يدفع عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّهُ تَعَالَى أَذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِتَالِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَذَكَرَ مَسْلَاةَ رسوله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِتَكْذِيبِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنَ الْإِهْلَاكِ إِثْرَ التَّكْذِيبِ وَبَعْدَ الْإِمْهَالِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ النَّاسَ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ نَذِيرٌ لَهُمْ بَعْدَ أَنِ اسْتَعْجَلُوا بِالْعَذَابِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَقْدِيمُ الْعَذَابِ وَلَا تَأْخِيرُهُ، ذَكَرَ لَهُ تَعَالَى مَسْلَاةً ثَانِيَةً بِاعْتِبَارِ مَنْ مَضَى مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَرِيصِينَ عَلَى إِيمَانِ قَوْمِهِمْ مُتَمَنِّينَ لِذَلِكَ مُثَابِرِينَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَكَانَ الشَّيْطَانُ يُرَاغِمُهُ بِتَزْيِينِ الْكُفْرِ لِقَوْمِهِ وَبَثِّ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَإِلْقَائِهِ فِي نُفُوسِهِمْ، كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى هُدَى قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ شَيَاطِينُ كَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ يُلْقُونَ لِقَوْمِهِ وَلِلْوَافِدِينَ عَلَيْهِ شُبَهًا يُثَبِّطُونَ بِهَا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ (?) وَسَعْيَهُمْ بِإِلْقَاءِ الشُّبَهِ فِي قُلُوبِ مَنِ اسْتَمَالُوهُ، وَنَسَبَ ذَلِكَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُغْوِي وَالْمُحَرِّكُ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ لِلْإِغْوَاءِ كَمَا قَالَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ (?) وَقِيلَ: إِنَّ الشَّيْطانُ هُنَا هُوَ جِنْسٌ يُرَادُ بِهِ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ. وَالضَّمِيرُ فِي أُمْنِيَّتِهِ عَائِدٌ عَلَى الشَّيْطانُ أَيْ فِي أُمْنِيَّةِ نَفْسِهِ، أَيْ بِسَبَبِ أُمْنِيَّةِ نَفْسِهِ. وَمَفْعُولُ أَلْقَى مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَهُوَ الشَّرُّ وَالْكُفْرُ، وَمُخَالَفَةُ ذَلِكَ الرَّسُولِ أَوِ النَّبِيِّ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَيْسَ يُلْقِي الْخَيْرَ. وَمَعْنَى فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ أَيْ يُزِيلُ تِلْكَ الشُّبَهَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يُسْلِمَ النَّاسُ، كَمَا قَالَ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (?) ويُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ أَيْ مُعْجِزَاتِهِ يُظْهِرُهَا مُحْكَمَةً لَا لَبْسَ فِيهَا لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ مِنْ تِلْكَ الشُّبَهِ وَزَخَارِفِ الْقَوْلِ فِتْنَةً لِمَرِيضِ الْقَلْبِ وَلِقَاسِيهِ وَلِيَعْلَمَ مَنْ أُوتِيَ الْعِلْمُ أَنَّ مَا تَمَنَّى الرَّسُولُ وَالنَّبِيُّ مِنْ هِدَايَةِ قَوْمِهِ وَإِيمَانِهِمْ هُوَ الْحَقُّ. وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا إِسْنَادُ شَيْءٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ حَالَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ إِذَا تمنوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015