لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ.
طَوَّلَ الْأَخْبَارِيُّونَ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ،
وَكَانَ أَيُّوبُ رُومِيًّا مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ، اسْتَنْبَأَهُ اللَّهُ وَبَسَطَ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَكَثَّرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَكَانَ لَهُ سَبْعُ بَنِينَ وَسَبْعُ بَنَاتٍ، وَلَهُ أَصْنَافُ الْبَهَائِمِ وَخَمْسُمِائَةِ فَدَّانٍ يَتَّبِعُهَا خَمْسُمِائَةِ عَبْدٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ امْرَأَةٌ وَوَلَدٌ وَنَخِيلٌ، فَابْتَلَاهُ اللَّهُ بِذَهَابِ وَلَدِهِ انْهَدَمَ عَلَيْهِمُ الْبَيْتُ فَهَلَكُوا وَبِذَهَابِ مَالِهِ وَبِالْمَرَضِ فِي بَدَنِهِ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقِيلَ دُونَ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ يَوْمًا لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَقَالَ لَهَا: كَمْ كَانَتْ مُدَّةُ الرَّخَاءِ؟ فَقَالَتْ:
ثَمَانِينَ سَنَةً، فَقَالَ: أَنَا أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَدْعُوَهُ وَمَا بَلَغَتْ مُدَّةُ بَلَائِي مُدَّةَ رَخَائِي، فَلَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ أَحْيَا وَلَدَهُ وَرَزَقَهُ مِثْلَهُمْ وَنَوَافِلَ مِنْهُمْ. وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ بَعْدُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ابْنًا
وَذَكَرُوا كَيْفِيَّةً فِي ذَهَابِ مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَتَسْلِيطِ إِبْلِيسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَنِّي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِكَسْرِهَا إِمَّا عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ أَيْ قَائِلًا أَنِّي وَإِمَّا عَلَى إِجْرَاءِ نَادَى مَجْرَى قَالَ وَكَسْرِ إِنِّي بَعْدَهَا وَهَذَا الثَّانِي مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ والضُّرُّ بِالْفَتْحِ الضَّرَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَبِالضَّمِّ الضَّرَرُ فِي النَّفْسِ مِنْ مَرَضٍ وَهُزَالٍ فَرْقٌ بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ لِافْتِرَاقِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَقَدْ أَلْطَفَ أَيُّوبُ فِي السُّؤَالِ حَيْثُ ذَكَرَ نَفْسَهُ بِمَا يُوجِبُ الرَّحْمَةَ وَذَكَرَ رَبَّهُ بِغَايَةِ الرَّحْمَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَطْلُوبِ وَلَمْ يُعَيِّنِ الضُّرَّ الَّذِي مَسَّهُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا أَمْثَلُهَا أَنَّهُ نَهَضَ لِيُصَلِّيَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ، فَقَالَ مَسَّنِيَ الضُّرُّ إِخْبَارًا عَنْ حَالَةٍ لَا شَكْوَى لِبَلَائِهِ رَوَاهُ أَنَسٌ مَرْفُوعًا، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الضُّرُّ لِلْجِنْسِ تَعُمُّ الضُّرُّ فِي الْبَدَنِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ. وَإِيتَاءُ أَهْلِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ لَهُ مِنْ أَهْلٍ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَأَحْيَاهُمْ لَهُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَآتَاهُ مِثْلَ أَهْلِهِ مَعَ أَهْلِهِ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَتْبَاعِ، وَذُكِرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ مَثَلَهُمْ عِدَّةً فِي الْآخِرَةِ. وَانْتَصَبَ رَحْمَةً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَيْ لرحمتا إِيَّاهُ وَذِكْرى مِنَّا بِالْإِحْسَانِ لِمَنْ عِنْدَنَا أَوْ رَحْمَةً مِنَّا لِأَيُّوبَ وَذِكْرى أَيْ مَوْعِظَةً لِغَيْرِهِ مِنَ الْعَابِدِينَ، لِيَصْبِرُوا كَمَا صَبَرَ حَتَّى يُثَابُوا كَمَا أُثِيبَ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَمُجَاهِدٌ: كَانَ ذُو الْكِفْلِ عَبْدًا صَالِحًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا. وَقَالَ