وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ الرَّافِهِ وَالْحَالِ النَّاعِمَةِ، وَالْإِتْرَافُ إِبْطَارُ النِّعْمَةِ وَهِيَ التَّرَفُّهُ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ غَدًا عَمَّا جَرَى عَلَيْكُمْ وَنَزَلَ بِأَمْوَالِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ فَتُجِيبُوا السَّائِلَ عَنْ عِلْمٍ وَمُشَاهَدَةٍ، أَوِ ارْجِعُوا وَاجْلِسُوا كَمَا كُنْتُمْ فِي مَجَالِسِكُمْ وَتَرَتَّبُوا فِي مَرَاتِبِكُمْ حَتَّى يَسْأَلَكُمْ عَبِيدُكُمْ وَحَشَمُكُمْ وَمَنْ تَمْلِكُونَ أَمْرَهُ وَيَنْفُذَ فِيهِ أَمْرُكُمْ وَنَهْيُكُمْ، وَيَقُولُوا لَكُمْ: بِمَ تَأْمُرُونَ وَمَاذَا تَرْسُمُونَ، وَكَيْفَ نَأْتِي وَنَذَرُ كَعَادَةِ الْمُنَعَّمِينَ الْمُخَدَّمِينَ، أَوْ يَسْأَلُكُمُ النَّاسُ فِي أَنْدِيَتِكُمُ الْمُعَاوِنَ فِي نَوَازِلِ الْخُطُوبِ وَيَسْتَشِيرُونَكُمْ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْعَوَارِضِ وَيَسْتَشِفُّونَ بِتَدَابِيرِكُمْ وَيَسْتَضِيئُونَ بِآرَائِكُمْ أَوْ يَسْأَلُكُمُ الْوَافِدُونَ عَلَيْكُمْ وَالطُّمَّاعُ، وَيَسْتَمْطِرُونَ سَحَائِبَ أَكُفِّكُمْ وَيَمِيرُونَ إِخْلَافَ مَعْرُوفِكُمْ وَأَيَادِيكُمْ إِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَسْخِيَاءَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِيَاءَ النَّاسِ وَطَلَبَ الثَّنَاءِ، أَوْ كَانُوا بُخَلَاءَ فَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ تَهَكُّمًا إِلَى تَهَكُّمٍ وَتَوْبِيخًا إِلَى تَوْبِيخٍ انْتَهَى.

وَنِدَاءُ الْوَيْلِ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَا وَيْلُ هَذَا زَمَانُكَ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْوَيْلِ فِي الْبَقَرَةِ. وَالظُّلْمُ هُنَا الْإِشْرَاكُ وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ وَإِيقَاعُ أَنْفُسِهِمْ فِي الْهَلَاكِ، وَاسْمُ زالَتْ هُوَ اسْمُ الْإِشَارَةِ وَهُوَ تِلْكَ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْجُمْلَةِ الْمَقُولَةِ أَيْ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الدَّعْوَى دَعْواهُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَمَا زَالُوا يُكَرِّرُونَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ كَقَوْلِهِ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا (?) وَالدَّعْوَى مَصْدَرُ دَعَا يُقَالُ: دَعَا دَعْوَى وَدَعْوَةً كَقَوْلِهِ وَآخِرُ دَعْواهُمْ (?) لِأَنَّ الْمُوَيَّلَ كَأَنَّهُ يَدْعُو الْوَيْلَ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ: تِلْكَ اسم زالَتْ ودَعْواهُمْ الْخَبَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَعْواهُمْ اسم زالَتْ وتِلْكَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ قَالَهُ الزَّجَّاجُ قَبْلَهُمْ، وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فَاسْمُ كَانَ وَخَبَرُهَا مُشَبَّهٌ بِالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي بَابِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إِذَا أُلْبِسَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ الْخَبَرَ وَالْمُتَأَخِّرُ الِاسْمَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي بَابِ كَانَ، فَإِذَا قُلْتَ: كَانَ مُوسَى صَدِيقِي لَمْ يَجُزْ فِي مُوسَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْمَ كَانَ وَصَدِيقِي الْخَبَرَ، كَقَوْلِكَ: ضَرَبَ مُوسَى عِيسَى، فَمُوسَى الْفَاعِلُ وَعِيسَى الْمَفْعُولُ، وَلَمْ يُنَازِعْ فِي هَذَا مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا إِلَّا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ عُرِفَ بَابْنِ الْحَاجِّ وَهُوَ مِنْ تَلَامِيذِ الْأُسْتَاذِ أَبُو عَلِيٍّ الشَّلَوْبِينُ وَنُبَهَائِهِمْ، فَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْمَفْعُولَ وَالْمُتَأَخِّرُ هُوَ الْفَاعِلَ وَإِنْ أُلْبِسَ فَعَلَى مَا قَرَّرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ اسْمَ زالَتْ ودَعْواهُمْ الخبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015