قَبْلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَ تَعَلُّقَهُ إِنَّمَا هُوَ لِمَا عُهِدَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا يَعْجَلَ بِالْقُرْآنِ مَثَّلَ لَهُ بِنَبِيٍّ قَبْلَهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ فَعَرَفَ لِيَكُونَ أَشَدَّ فِي التَّحْذِيرِ وَأَبْلَغَ فِي الْعَهْدِ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُقَالُ فِي أَوَامِرِ الْمُلُوكِ وَوَصَايَاهُمْ: تَقَدَّمَ الْمَلِكُ إِلَى فُلَانٍ وَأَوْغَرَ عَلَيْهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ وَعَهِدَ إِلَيْهِ، عَطَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قِصَّةَ آدَمَ عَلَى قَوْلِهِ وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (?) وَالْمَعْنَى وَأُقْسِمُ قَسَمًا لَقَدْ أَمَرْنَا أَبَاهُمْ آدَمَ وَوَصَّيْنَاهُ أَنْ لَا يَقْرَبَ الشَّجَرَةَ، وَتَوَعَّدْنَاهُ بِالدُّخُولِ فِي جُمْلَةِ الظَّالِمِينَ إِنْ قَرَبَهَا وَذَلِكَ مِنْ قَبْلُ وجودهم ومِنْ قَبْلُ أَنْ نَتَوَعَّدَهُمْ فَخَالَفَ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ وَتَوَعَّدَ فِي ارْتِكَابِهِ مُخَالَفَتَهُمْ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْوَعِيدِ كَمَا لَا يَلْتَفِتُونَ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ أَسَاسَ أَمْرِ بَنِي آدَمَ عَلَى ذَلِكَ وَعِرْقُهُمْ رَاسِخٌ فِيهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّسْيَانَ هُنَا التَّرْكُ إِنْ تَرَكَ مَا وُصِّيَ بِهِ مِنَ الِاحْتِرَاسِ عَنِ الشَّجَرَةِ وَأَكْلِ ثَمَرَتِهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالنِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الذِّكْرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِالْوَصِيَّةِ الْعِنَايَةَ الصَّادِقَةَ وَلَمْ يَسْتَوْثِقْ مِنْهَا بِعَقْدِ الْقَلْبِ عَلَيْهَا وَضَبْطِ النَّفْسِ حَتَّى تَوَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ النِّسْيَانُ انْتَهَى. وَقَالَهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَنِسْيَانُ الذُّهُولِ لَا يُمْكِنُ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّاسِي عِقَابٌ انْتَهَى. وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ وَالْأَعْمَشُ فَنُسِّيَ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ أَيْ نَسَّاهُ الشَّيْطَانُ، وَالْعَزْمُ التَّصْمِيمُ وَالْمُضِيُّ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ عَلَى تَرْكِ الْأَكْلِ وَأَنْ يَتَصَلَّبَ فِي ذَلِكَ تَصَلُّبًا يُؤَيِّسُ الشَّيْطَانَ مِنَ التَّسْوِيلِ لَهُ، وَالْوُجُودُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَمَفْعُولَاهُ لَهُ عَزْماً وَأَنْ يَكُونَ نَقِيضَ الْعَدَمِ كَأَنَّهُ قَالَ وَعْدٌ مِنَّا لَهُ عَزْماً انْتَهَى. وَقِيلَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ فَعَلَ نِسْيَانًا. وَقِيلَ: حِفْظًا لِمَا أُمِرَ بِهِ. وَقِيلَ: صَبْرًا عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ. وَقِيلَ عَزْماً فِي الِاحْتِيَاطِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاجْتِهَادِ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ قَوْلُهُ وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وأَبى جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنَ السُّجُودِ إِنَّمَا كَانَ عَنْ إِبَاءٍ مِنْهُ وَامْتِنَاعٍ، وَالظَّاهِرُ حَذْفُ مُتَعَلِّقِ أَبى وَأَنَّهُ يُقَدَّرُ هُنَا مَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (?) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَبى جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأَنَّهُ جَوَابُ قَائِلٍ قَالَ: لِمَ لَمْ يَسْجُدْ؟ وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ لَهُ مَفْعُولٌ وَهُوَ السُّجُودُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ اسْجُدُوا وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَظْهَرَ الْإِبَاءَ وتوقف وتثبط انتهى.