بَعْضُ مَنْ عَاصَرْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ مُنْقَاسٌ فِي كُلِّ مُضَاعَفِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ فِي لُغَةِ بَنِي سُلَيْمٍ حَيْثُ تسكن آخِرُ الْفِعْلِ. وَقَدْ أَمْعَنَّا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ مِنْ تَأْلِيفِنَا، فَأَمَّا مَنْ كَسَرَ الظَّاءِ فَلِأَنَّهُ نَقَلَ حَرَكَةَ اللَّامِ إِلَى الظَّاءِ بَعْدَ نَزْعِ حَرَكْتِهَا تَقْدِيرًا ثُمَّ حَذَفَ اللَّامَ، وَأَمَّا مَنْ ضَمَّهَا فَيَكُونُ عَلَى أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ عَلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا، وَنُقِلَتْ ضَمَّةُ اللَّامِ إِلَى الظَّاءِ كَمَا نُقِلَتْ فِي حَالَةِ الْكَسْرِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَنُحَرِّقَنَّهُ مُشَدَّدًا مُضَارِعُ حَرَّقَ مُشَدَّدًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو رَجَاءٍ وَالْكَلْبِيُّ مُخَفَّفًا مَنْ أَحْرَقَ رُبَاعِيًّا.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُمَيدٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ فِي رِوَايَةِ وَعَمْرُو بْنُ فَائِدٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ
، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَرَّقَ وَأَحْرَقَ هُوَ بِالنَّارِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّالِثَةُ فَمَعْنَاهَا لَنُبْرِدَنَّهُ بِالْمِبْرَدِ يُقَالُ حَرَقَ يَحْرُقُ وَيَحْرِقُ بِضَمِّ رَاءِ الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا. وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّ التَّشْدِيدَ قَدْ يَكُونُ مُبَالَغَةً فِي حَرَّقَ إِذَا بُرِدَ بِالْمِبْرَدِ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ لَنَذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ وَتُوَافِقُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ صَارَ لَحْمًا وَدَمًا ذَا رُوحٍ، وَيَتَرَتَّبُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ جَمَادًا مَصُوغًا مِنَ الْحُلِيِّ فَيَتَرَتَّبُ بَرْدُهُ لَا إِحْرَاقُهُ إِلَّا إِنْ عَنَى بِهِ إِذَابَتُهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أُمِرَ مُوسَى بِذَبْحِ الْعِجْلِ فَذُبِحَ وَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ أُحْرِقَ وَنُسِفَ رَمَادُهُ.
وَقِيلَ: بُرِدَتْ عِظَامَهُ بِالْمِبْرَدِ حَتَّى صَارَتْ بِحَيْثُ يُمْكِنُ نَسْفُهَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَنَنْسِفَنَّهُ بكسر السين. وقرت فِرْقَةٌ مِنْهُمْ عِيسَى بِضَمِّ السِّينِ. وَقَرَأَ ابْنُ مِقْسَمٍ: لَنُنَسِّفَنَّهُ بِضَمِّ النُّونِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ. وَالظَّاهِرُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ مُوسَى تَعَجَّلَ وَحْدَهُ فَوَقَعَ أَمْرُ الْعِجْلِ، ثُمَّ جَاءَ مُوسَى وَصَنَعَ بِالْعِجْلِ مَا صَنَعَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسَبْعِينَ عَلَى مَعْنَى الشَّفَاعَةِ فِي ذَنْبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْ يُطْلِعَهُمْ أَيْضًا عَلَى أَمْرِ الْمُنَاجَاةِ، فَكَانَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهْضَتَانِ. وَأَسْنَدَ مَكِّيٌّ خِلَافَ هَذَا أَنَّ مُوسَى كَانَ مَعَ السَبْعِينَ فِي الْمُنَاجَاةِ وَحِينَئِذٍ وَقَعَ أَمْرُ الْعِجْلِ، وَأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ مُوسَى بِذَلِكَ فَكَتَمَهُ عَنْهُمْ وَجَاءَ بِهِمْ حَتَّى سَمِعُوا لَغَطَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَوْلَ الْعِجْلِ، فَحِينَئِذٍ أعلمهم مُوسَى انْتَهَى. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ إِبْطَالِ مَا عَمِلَهُ السَّامِرِيُّ عَادَ إِلَى بَيَانِ الدِّينِ الْحَقِّ فَقَالَ إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَسِعَ فَانْتَصَبَ عِلْمًا عَلَى التَّمْيِيزِ الْمَنْقُولِ مِنَ الْفَاعِلِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْأَنْعَامِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَسَّعَ بِفَتْحِ السِّينِ مُشَدَّدَةً. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّ وَسِعَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ.
وَأَمَّا عِلْماً فَانْتِصَابُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى فَاعِلٌ، فَلَمَّا ثُقِّلَ نُقِلَ إِلَى التَّعْدِيَةِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ فَنَصَبَهُمَا مَعًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، لِأَنَّ الْمُمَيَّزَ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ: خَافَ زَيْدٌ