تَأَسُّفِكَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُفْرِهِمْ وَتَحَسُّرِكَ عَلَى أَنْ يُؤْمِنُوا كقوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ (?) وَالشَّقَاءُ يَجِيءُ فِي مَعْنَى التَّعَبِ وَمِنْهُ الْمَثَلُ: أَتْعَبُ مِنْ رَائِضِ مُهْرٍ. وَأَشْقَى مِنْ رَائِضِ مُهْرٍ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ مَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تُبَلِّغَ وَتُذَكِّرَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَا مَحَالَةَ بَعْدَ أَنْ لَمْ تُفَرِّطْ فِي أَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ انْتَهَى. وَقِيلَ: أُرِيدَ رَدُّ مَا قَالَهُ أَبُو جَهْلٍ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سَبَبِ النزول. ولِتَشْقى وتَذْكِرَةً عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مَا أَنْزَلْنا وَتَعَدَّى فِي لِتَشْقى بِاللَّامِ لِاخْتِلَافِ الْفَاعِلِ إِذْ ضَمِيرُ مَا أَنْزَلْنا هُوَ لِلَّهِ، وَضَمِيرُ لِتَشْقى لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَّا اتَّحَدَ الْفَاعِلُ فِي أَنْزَلْنا وتَذْكِرَةً إِذْ هُوَ مَصْدَرُ ذَكَّرَ، وَالْمُذَكِّرُ هُوَ اللَّهُ وَهُوَ الْمُنَزِّلُ تَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ فَنُصِبَ عَلَى أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْفَاعِلِ خِلَافًا وَالْجُمْهُورُ يَشْتَرِطُونَهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: أَمَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أَنْ تَشْقَى كَقَوْلِهِ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ (?) قُلْتُ: بَلَى وَلَكِنَّهَا نَصْبَةٌ طَارِئَةٌ كَالنَّصْبَةِ فِي وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ (?) وَأَمَّا النَّصْبَةُ فِي تَذْكِرَةً فَهِيَ كَالَّتِي في ضربت زيد لِأَنَّهُ أَحَدُ الْمَفَاعِيلِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ أُصُولٌ وَقَوَانِينُ لِغَيْرِهَا انْتَهَى. وَلَيْسَ كَوْنُ أَنْ تَشْقَى إِذَا حُذِفَ الْجَارُّ مَنْصُوبًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. أَهْوَ مَنْصُوبٌ تَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ بَعْدَ إِسْقَاطِ الْحَرْفِ أَوْ مَجْرُورٌ بِإِسْقَاطِ الْجَارِّ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ؟
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِلَّا تَذْكِرَةً يَصِحُّ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ لِتَشْقى وَيَصِحُّ أَنْ يُنْصَبَ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ لَكِنْ أَنْزَلْنَاهُ تَذْكِرَةً انْتَهَى. وَقَدْ رَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ تَخْرِيجَ ابْنِ عَطِيَّةَ الْأَوَّلِ فَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً بَدَلًا مِنْ مَحَلِّ لِتَشْقى؟
قُلْتُ: لَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ وَلَكِنَّهَا نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ الَّذِي إِلَّا فِيهِ بِمَعْنَى لَكِنْ انْتَهَى. وَيَعْنِي بِاخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ أَنَّ نَصْبَ تَذْكِرَةً نَصْبَةٌ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ بِعَارِضَةٍ وَالنَّصْبَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي لِتَشْقى بَعْدَ نَزْعِ الْخَافِضِ نَصِبَةٌ عَارِضَةٌ وَالَّذِي نَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ أَلْبَتَّةَ فَيُتَوَهَّمَ الْبَدَلُ مِنْهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَحَمُّلِ مَتَاعِبِ التَّبْلِيغِ وَمُقَاوَلَةِ الْعُتَاةِ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَمُقَاتَلَتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ المشاق وتكاليف النبوة وما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ هَذَا الْمُتْعِبَ الشَّاقَّ إِلَّا لِيَكُونَ تَذْكِرَةً وعلى هذا