وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (?) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (?) الْآيَةَ أَيْ إِنْ كَانَ تَسْلِيمُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ لَغْواً فَلَا يَسْمَعُونَ لَغْوًا إِلَّا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ وَادِي قَوْلِهِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
أَوْ لَا يَسْمَعُونَ فِيها إِلَّا قَوْلًا يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الْعَيْبِ وَالنَّقِيصَةِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، أَوْ لِأَنَّ مَعْنَى السَّلَامِ هُوَ الدُّعَاءُ بِالسَّلَامَةِ، وَدَارُ السَّلَامِ هِيَ دَارُ السَّلَامَةِ وَأَهْلُهَا عَنِ الدُّعَاءِ بِالسَّلَامَةِ أَغْنِيَاءُ. فَكَانَ ظَاهِرُهُ مِنْ بَابِ اللَّغْوِ وَفُضُولِ الْحَدِيثِ لَوْلَا مَا فِيهِ مِنْ فَائِدَةِ الْكَلَامِ.
وَقَالَ أَيْضًا: وَلَا يَكُونُ ثَمَّ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ وَلَكِنْ عَلَى التَّقْدِيرِ. وَلِأَنَّ الْمُتَنَعَّمَ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ وَجَدَ غَدَاءً وَعَشَاءً. وَقِيلَ: أَرَادَ دَوَامَ الرِّزْقِ وَدَرُورَهُ كَمَا تَقُولُ: أَنَا عِنْدَ فُلَانٍ صَبَاحًا وَمَسَاءً وَبُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَلَا يَقْصِدُ الْوَقْتَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ انْتَهَى.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نُورِثُ مُضَارِعُ أَوْرَثَ، وَالْأَعْمَشُ نُورِثُهَا بِإِبْرَازِ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَوْصُولِ، وَالْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَقَتَادَةُ وَرُوَيْسٌ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَمَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ. وَالتَّوْرِيثُ اسْتِعَارَةٌ أَيْ تَبْقَى عَلَيْهِ الْجَنَّةُ كَمَا يَبْقَى عَلَى الْوَارِثِ مَالُ الْمَوْرُوثِ، وَالْأَتْقِيَاءُ يَلْقَوْنَ رَبَّهُمْ قَدِ انْقَضَتْ أَعْمَالُهُمْ وَثَمَرَتُهَا بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْجَنَّةُ، فَقَدْ أَوْرَثَهُمْ مِنْ تَقْوَاهُمْ كَمَا يُوَرَّثُ الْوَارِثُ الْمَالَ مِنَ الْمُتَوَفَّى. وَقِيلَ: أُورِثُوا مِنَ الْجَنَّةِ الْمَسَاكِنَ الَّتِي كَانَتْ لِأَهْلِ النَّارِ لَوْ أَطَاعُوا.
وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ
أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَنِ الرَّسُولِ مَرَّةً، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ قَدِ اشْتَقْتُ إِلَيْكَ أَفَلَا تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا» ؟ فَنَزَلَتْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: سَبَبُهَا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَأَخَّرَ فِي السُّؤَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَهِيَ كَالَّتِي فِي الضُّحَى، وَتَنَزَّلَ تَفَعَّلَ وَهِيَ لِلْمُطَاوَعَةِ وَهِيَ أَحَدُ مَعَانِي تَفَعَّلَ، تَقُولُ: نَزَّلْتُهُ فَتَنَزَّلَ فَتَكُونُ لِمُوَاصَلَةِ الْعَمَلِ فِي مُهْلَةٍ، وَقَدْ تَكُونُ لَا يُلْحَظُ فِيهِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمُجَرَّدِ كَقَوْلِهِمْ: تَعَدَّى الشَّيْءَ وَعَدَّاهُ وَلَا يَكُونُ مُطَاوِعًا فَيَكُونَ تَنَزَّلَ فِي مَعْنَى نَزَلَ. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَسْتَ لَإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلْأَكٍ ... تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يُصَوِّبُ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّنَزُّلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: مَعْنَى النُّزُولِ عَلَى مَهَلٍ، ومعنى النزول على