عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَإِنَّكَ تَقُولُ لِمَنْ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ هَذَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقُرْآنَ هُنَا هو ما قرىء مِنَ الْقُرْآنِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِنْهُ. وَقِيلَ: ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْهُ مُعَيَّنَةٌ وَهِيَ فِي النَّحْلِ أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ- إِلَى- الْغافِلُونَ (?) وَفِي الكهف فَمَنْ أَظْلَمُ- إِلَى- إِذاً أَبَداً (?) وَفِي الْجَاثِيَةِ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ- إِلَى- أَفَلا تَذَكَّرُونَ (?)
وَعَنْ كَعْبٍ أَنَّ الرَّسُولَ كَانَ يَسْتَتِرُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ
،
وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ عَيَّنَهَا لَهُ هَاتِفٌ مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ
،
وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَسَرَّ زَمَانًا ثُمَّ اهْتَدَى قِرَاءَتَهَا فَخَرَجَ لَا يُبْصِرُهُ الْكُفَّارُ وَهُمْ يَتَطَلَّبُونَهُ تَمَسُّ ثِيَابُهُمْ ثِيَابَهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُزَادُ إِلَى هَذِهِ الْآيِ أَوَّلُ يس إِلَى فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (?)
فَفِي السِّيرَةِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حِينَ نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ خَرَجَ يَنْثُرُ التُّرَابَ على رؤوس الْكُفَّارِ فَلَا يَرَوْنَهُ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ يس، ولم يبق أحد مِنْهُمْ إِلَّا وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى جَعَلْنَا بَيْنَ رُؤْيَتِكَ وَبَيْنَ أَبْصَارِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ كَمَا وَرَدَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالزَّجَّاجُ وَجَمَاعَةٌ مَا معناه: جَعَلْنا بَيْنَكَ فَهْمِ مَا تَقْرَأُ وَبَيْنَهُمْ حِجاباً فَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِكَ وَلَا بِالْبَعْثِ، فَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنَ الْآيَةِ بَعْدَهَا، وَالظَّاهِرُ إِقْرَارُ مَسْتُوراً عَلَى مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ اسْمَ مَفْعُولٍ أَيْ مَسْتُوراً عَنْ أَعْيُنِ الْكُفَّارِ فَلَا يَرَوْنَهُ، أَوْ مَسْتُوراً بِهِ الرَّسُولُ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ. وَنُسِبَ السَّتْرُ إِلَيْهِ لَمَّا كَانَ مَسْتُورًا بِهِ قَالَهُ الْمُبَرِّدُ، وَيُؤَوَّلُ مَعْنَاهُ إِلَى أَنَّهُ ذُو سَتْرٍ كَمَا جَاءَ فِي صِيغَةِ لَابِنٍ وَتَامِرٍ أَيْ ذُو لَبَنٍ وَذُو تَمْرٍ. وَقَالُوا: رَجُلٌ مَرْطُوبٌ أَيْ ذُو رَطْبَةٍ وَلَا يُقَالُ رَطَّبْتُهُ، وَمَكَانٌ مَهُولٌ أَيْ ذُو هَوْلٍ، وَجَارِيَةٌ مَغْنُوجَةٌ وَلَا يُقَالُ هُلْتُ الْمَكَانَ وَلَا غَنِجَتِ الْجَارِيَةُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَجَمَاعَةٌ مَسْتُوراً سَاتِرًا وَاسْمُ الْفَاعِلِ قَدْ يَجِيءُ بِلَفْظِ المفعول كما قالوا مشؤوم وَمَيْمُونٌ يُرِيدُونَ شَائِمٌ وَيَامِنٌ. وَقِيلَ: مَسْتُورٌ وَصْفٌ عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَا قَالُوا شِعْرٌ شَاعِرٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَمِنْ لَفْظِ الْأَوَّلِ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي أَوَائِلِ الْأَنْعَامِ وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ.
قِيلَ: دَخَلَ مَلَأُ قُرَيْشٍ عَلَى أَبِي طَالِبٍ يَزُورُونَهُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ وَمَرَّ بِالتَّوْحِيدِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لكم العجم» فولوا وانفروا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ فِي حَالِ الْفَارِّينَ عِنْدَ وَقْتِ قِرَاءَتِهِ وَمُرُورِهِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى إِذَا جَاءَتْ مَوَاضِعُ التَّوْحِيدِ فَرَّ الْكُفَّارُ إِنْكَارًا لَهُ وَاسْتِبْشَاعًا لِرَفْضِ آلِهَتِهِمْ وَاطِّرَاحِهَا.