وأما من أجاز له فكثير جدا، قال الصفدي: لم أره قط إلا يسمع ويشتغل أو يكتب أو ينظر في كتاب ولم أره غير ذلك. وكان كثير النظم، والإمام المطلق في النحو والتصريف وله اليد الطولى في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم خصوصا المغاربة. وله التصانيف التي سارت في الآفاق واشتهرت في حياته، وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة وصار تلاميذه أئمة وأشياخا في حياته، وهو الذي رغب الناس إلى قراءة كتب مالك وشرح لهم غامضها وألزم نفسه أن لا يقرىء أحدا إلا كتب سيبويه أو في كِتَابُ تَسْهِيلِ الْفَوَائِدِ لِأَبِي مَالِكٍ الْجَيَّانِيِّ الطَّائِيِّ مُقِيمِ دمشق.
أما مصنفاته فكثيرة في النحو والصرف واللغة والفقه والاعراب والقراءات وتاج مصنفاته البحر المحيط في التفسير.
يقول رحمه الله: ما زَال يَخْتَلِجُ فِي ذِكْرِي، ويعتلج في فكري أنه إذ أبلغ الْعِقْدُ الَّذِي يَحُلُّ عُرَى الشباب ألوذ بجنان الرَّحْمَنِ وَأَقْتَصِرُ عَلَى النَّظَرِ في تفسير القرآن ... وقد سهل له ذلك العمل الجليل بانتصابه مُدَرِّسًا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ فِي قُبَّةِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ المنصور ...
وكان عمره سبع وخمسين في آخر سنة عشر وسبعمائة وعند ما عكف على تصنيف كتابه:
البحر المحيط الذي نقدم له.
لقد اختار عالمنا الجليل اسما لتفسيره هو: البحر المحيط، فكان لفظا ومعنى ومضمونا، فالبحر معروف، وهو أيضا الرجل الكريم الجواد، والجواد الواسع الجري، وبحر الأرض أي شقها فكأنما غاص إلى أعمق المعاني في تفسيره، وأما المحيط فهو البحر المحدق، فقد أحاط بالعلوم التي تمكنه من الغوص في بحار حكم كلام الله القرآن الكريم ومن ثمّ ليحيط بكتاب العزيز العليم فهو العروة الوثقى والحبل المتين.
قال:
فَعَكَفْتُ عَلَى تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَانْتِخَابِ الصَّفْوِ وَاللُّبَابِ، أُجِيلُ الْفِكْر فِيمَا وَضَع الناس في تصانيفهم، وأمعن النَّظَر فِيمَا اقْتَرَحُوهُ مِنْ تَآلِيفِهِمْ، فَأُلَخِّصُ مُطَوَّلَهَا وَأَحُلُّ مُشْكِلَهَا، وَأُقَيِّدُ مُطْلَقَهَا، وَأَفْتَحُ مغلقها، واجمع مبدّدها ... وَأُضِيفُ إِلَى ذَلِك مَا استخرجته مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْبَيَانِ الْمُطْلِعِ عَلَى إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، العروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم.
وقد حدد لنا منهجه في التفسير، فقال: