وَالْمَفْعُولُ قَدْ يُبْنَى لِلْكَثْرَةِ عَلَى فُعَلَةٍ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْقَانِتِ، وَالْحَنِيفِ: شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ. رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَغَدَّى إِلَّا مَعَ ضَيْفٍ، فَلَمْ يَجِدْ ذَاتَ يَوْمٍ ضَيْفًا فَأَخَّرَ غَدَاهُ، فَإِذَا هُوَ بِفَوْجٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الطَّعَامِ، فَخُيِّلُوا أَنَّ بِهِمْ جُذَامًا فَقَالَ: الْآنَ وجبت مؤاكلتكم، شكر الله عَلَى أَنَّهُ عَافَانِي وَابْتَلَاكُمْ. ورتيناه فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، قَالَ قَتَادَةُ: حَبَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى كُلِّ الْخَلْقِ، فَكُلُّ أَهْلِ الْأَدْيَانِ يَتَوَلَّوْنَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمُونَ، وَخُصُوصًا كُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ فَخْرَهُمْ إِنَّمَا هُوَ بِهِ، وَذَلِكَ بِإِجَابَةِ دعوته: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (?) وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ قَوْلُ الْمُصَلِّي مِنَّا: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الذِّكْرُ الْحَسَنُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: النُّبُوَّةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِسَانُ صِدْقٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
الْقَبُولُ، وَعَنْهُ تَنْوِيهُ اللَّهِ بِذِكْرِهِ. وَقِيلَ: الْأَوْلَادُ الْأَبْرَارُ عَلَى الْكِبَرِ. وَقِيلَ: الْمَالُ يَصْرِفُهُ فِي الْخَيْرِ وَالْبِرِّ. وَإِنَّهُ لَمِنَ المصلحين، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي الْبَقَرَةِ، وَلَمَّا وُصِفَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّتَهُ، وَهَذَا الْأَمْرُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَسَنَةِ الَّتِي آتَاهَا اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ: وَأَمَرَ الْفَاضِلَ بِاتِّبَاعِ الْمَفْضُولِ، لَمَّا كَانَ سَابِقًا إِلَى قَوْلِ الصَّوَابِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ثُمَّ أَوْحَيْنَا فِي ثُمَّ هَذِهِ مَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ مَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِجْلَالِ مَحَلِّهِ، وَالْإِيذَانِ بِأَنَّ أَشْرَفَ مَا أُوتِيَ خَلِيلُ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الْكَرَامَةِ، وَأَجَلَّ مَا أُوتِيَ مِنَ النِّعْمَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلَّتَهُ، مِنْ قَبْلِ أَنَّهَا عَلَى تَبَاعُدِ هَذَا النَّعْتِ فِي الْمَرْتَبَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النُّعُوتِ الَّتِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهَا بِهَا انْتَهَى. وَأَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ. وَاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ قَالَ قَتَادَةُ: فِي الْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: جَمِيعَ مِلَّتِهِ إِلَّا مَا أُمِرَ بِتَرْكِهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَنَاسِكُ الْحَجِّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ عَقَائِدُ الشَّرْعِ دُونَ الْفُرُوعِ لِقَوْلِهِ: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً (?) وَقِيلَ: فِي التَّبَرِّي مِنَ الْأَوْثَانِ. وَقَالَ قَوْمٌ كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَيْسَ لَهُ شَرْعٌ يَنْفَرِدُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ بَعْثَتِهِ إِحْيَاءُ شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ وَصَفَ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا قَالَ: اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَفَى الشِّرْكَ وَأَثْبَتَ التَّوْحِيدَ بِنَاءً عَلَى الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَابِعًا لَهُ، فَيَمْتَنِعُ حَمْلُ قَوْلِهِ:
أَنِ اتَّبِعْ، عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرَائِعِ الَّتِي يَصِحُّ حُصُولُ الْمُتَابَعَةِ فيها.