لَا عَدُوُّهُمْ وَخَاذِلُهُمْ كَمَا يَكُونُ الْمَلِكُ لِلرَّجُلِ: لَا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مَحْمِيًّا مَنْفُوعًا غَيْرَ مَضْرُورٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مَنْفُوعًا اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ نَفَعَ، وَهُوَ قِيَاسُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ثُلَاثِيٌّ. وَزَعَمَ الْأَهْوَازِيُّ النَّحْوِيُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ نَفَعَ اسْمُ مَفْعُولٍ، فَلَا يُقَالُ مَنْفُوعٌ وَقَفْتُ لَهُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ مُوجَزِ الرُّمَّانِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: خَبَرُ إِنَّ الْأُولَى قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ لَغَفُورٌ، وَإِنَّ الثَّانِيَةُ وَاسْمُهَا تَكْرِيرٌ لِلتَّوْكِيدِ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَتْ إِنَّ الثَّانِيَةُ وَاسْمُهَا تَكْرِيرًا لِلتَّوْكِيدِ كَمَا ذُكِرَ، فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ إِنَّ الْأَوْلَى هُوَ قَوْلَهُ: لَغَفُورٌ، وَيَكُونُ لِلَّذِينَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: لَغَفُورٌ، أَوْ بِرَحِيمٍ عَلَى الْإِعْمَالِ، لِأَنَّ إِنَّ رَبَّكَ الثَّانِيَةَ لَا يَكُونُ لَهَا طَلَبٌ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ.
كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: قَامَ قَامَ زَيْدٌ، فَزَيْدٌ إِنَّمَا هُوَ مَرْفُوعٌ بِقَامَ الْأُولَى، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ لِلْأُولَى. وَقِيلَ: لَا خَبَرَ لِأَنَّ الْأُولَى فِي اللَّفْظِ لِأَنَّ خَبَرَ الثَّانِيَةِ أَغْنَى عَنْهُ انْتَهَى.
وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّهُ أَلْغَى حُكْمَ الْأُولَى وَجَعَلَ الْحُكْمَ لِلثَّانِيَةِ، وَهُوَ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: لِلَّذِينَ مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ عَلَى جِهَةِ الْبَيَانِ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَعْنِي لِلَّذِينِ، أَيِ الْغُفْرَانَ لِلَّذِينِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فُتِنُوا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ: بِالْعَذَابِ وَالْإِكْرَاهِ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: فَتَنُوا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ هَاجَرُوا، فَالْمَعْنَى: فَتَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا أَعْطَوُا الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْقَوْلِ كَمَا فَعَلَ عَمَّارٌ. أَوْ لَمَّا كَانُوا صَابِرِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعُذِّبُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ صَارُوا كَأَنَّهُمْ هُمُ الْمُعَذِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَا عَذَّبُوا الْمُؤْمِنِينَ كَالْحَضْرَمِيِّ وَأَشْبَاهِهِ. وَالضَّمِيرُ في من بعدها عائد عَلَى الْمَصَادِرِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ أَيْ: مِنْ بَعْدِ الْفِتْنَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَالصَّبْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالضَّمِيرُ فِي بَعْدِهَا عَائِدٌ عَلَى الْفِتْنَةِ، أَوِ الْهِجْرَةِ، أَوِ التَّوْبَةِ، وَالْكَلَامُ يُعْطِيهَا وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ صَرِيحٌ.
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: يَوْمَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ، وَنَاصِبُهُ رَحِيمٌ، أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، وَنَاصِبُهُ اذْكُرْ. وَالظَّاهِرُ عُمُومُ كُلِّ نَفْسٍ، فَيُجَادِلُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَجِدَالُهُ بِالْكَذِبِ وَالْجَحَدِ، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِمُ الرُّسُلُ وَالْجَوَارِحُ، فَحِينَئِذٍ لَا يَنْطِقُونَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: