وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ وَمُقَاتِلٌ: يَخَافُونَ مِنْ صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ خَاصَّةً، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَالْمَلَائِكَةُ مَوْصُوفُونَ بِالْخَوْفِ، لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْصُونَ. وَالْفَوْقِيَّةُ الْمَكَانِيَّةُ مُسْتَحِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى، فَإِنْ علقته بيخافون كَانَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: يَخَافُونَ عَذَابَهُ كَائِنًا مِنْ فَوْقِهِمْ، لِأَنَّ الْعَذَابَ إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقُ، وَإِنْ عَلَّقْتَهُ بِرَبِّهِمْ كَانَ حَالًا مِنْهُ أَيْ: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ عَالِيًا لَهُمْ قَاهِرًا لِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ «1» وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ «2» وَفِي نِسْبَةِ الْخَوْفِ لِمَنْ نُسِبَ إِلَيْهِ السُّجُودُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ خَاصَّةً دَلِيلٌ عَلَى تَكْلِيفِ الْمَلَائِكَةِ كَسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّهُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ مُدَارُونَ عَلَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ «3» وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ: إِنَّهُ إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ، فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ. وَقِيلَ: الْخَوْفُ خَوْفُ جَلَالٍ وَمَهَابَةٍ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ يَخَافُونَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي من لَا يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِنَفْيِ الِاسْتِكْبَارِ وَتَأْكِيدًا لَهُ، لِأَنَّ مَنْ خَافَ اللَّهَ لَمْ يَسْتَكْبِرْ عَنْ عِبَادَتِهِ. وَقَوْلِهِ: وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَبِحَسْبِ الشَّرْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْحَيَوَانِ فَبِالتَّسْخِيرِ وَالْقَدْرِ الَّذِي يَسُوقُهُمْ إِلَى مَا نَفَذَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)
وَيَجْعَلُونَ لِما لَا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)