أَوْدَى بَنِيَّ وَأَوْدَعُونِي حَسْرَةً ... عِنْدَ الرُّقَادِ وَعَبْرَةً مَا تُقْلِعُ
وَقَوْلَ الْأَعْشَى يَمْدَحُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
لَهُ نَافِلَاتٌ مَا يَغِبُّ نَوَالَهَا ... وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدًا
وَقَالَ تَعَالَى: مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ (?) وَالضَّمِيرُ فِي نَسْلُكُهُ عَائِدٌ عَلَى الذِّكْرِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ: وَالضَّمِيرُ لِلذِّكْرِ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ السِّلْكِ. وَنَحْوُهُ: نَسْلُكُ الذِّكْرَ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِهِمْ مُكَذَّبًا مُسْتَهْزَأً بِهِ غَيْرَ مَقْبُولٍ، كَمَا لَوْ أَنْزَلْتَ بِلَئِيمٍ حَاجَةً فَلَمْ يُجِبْكَ إِلَيْهَا فَقُلْتَ: كَذَلِكَ أُنْزِلُهَا بِاللِّئَامِ يَعْنِي: مِثْلَ هَذَا الْإِنْزَالِ أُنْزِلُهَا بِهِمْ، مَرْدُودَةً غَيْرَ مُقْصِيَةٍ. وَمَحَلُّ قَوْلِهِ: لَا يُؤْمِنُونَ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ أَيْ: غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِهِ، أَوْ هُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ انْتَهَى. وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ من أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الذِّكْرِ ذَكَرَهُ الْغَرْنَوِيُّ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ نَسْلُكُ الذِّكْرَ إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الضَّمِيرُ فِي نَسْلُكُهُ عَائِدٌ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالشِّرْكِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ قَوْلُ: الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنِ زَيْدٍ. وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي بِهِ يعود أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ نَفْسِهِ، وَتَكُونُ بَاءَ السَّبَبِ أَيْ: لَا يُؤْمِنُونَ بِسَبَبِ شِرْكِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ، وَيَكُونُ قَوْلِهِ:
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي نَسْلُكُهُ عَائِدًا عَلَى الذِّكْرِ الْمَحْفُوظِ الْمُتَقَدِّمِ الذِّكْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَيْ: مُكَذَّبًا بِهِ مَرْدُودًا مُسْتَهْزَأً بِهِ، يُدْخِلُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدًا عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي نَسْلُكُهُ عَائِدًا عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالشِّرْكِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ، فَيَخْتَلِفُ عَلَى هَذَا عَوْدُ الضَّمِيرَيْنِ انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عن مجاهد تلك التَّكْذِيبَ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَاءُ فِي بِهِ لِلسَّبَبِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ عَوْدُهُ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: يستهزؤون، وَالْبَاءُ فِي بِهِ لِلسَّبَبِ. وَالْمُجْرِمُونَ هُنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، وَمَنْ دَعَاهُمُ الرَّسُولُ إِلَى الْإِيمَانِ. وَلَا يُؤْمِنُونَ إِنْ كَانَ إِخْبَارًا مُسْتَأْنَفًا فَهُوَ مِنَ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ فِيمَنْ خَتَمَ عَلَيْهِ، إِذْ قَدْ آمَنَ عَالَمٌ مِمَّنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ. وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ فِي تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ، أَوْ فِي إِهْلَاكِهِمْ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، واستهزأوا بِهِمْ، وَهُوَ تَهْدِيدٌ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ. وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِمْ عَائِدٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ لِفَرْطِ تَكْذِيبِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ حَتَّى يُنْكِرُوا مَا هُوَ مَحْسُوسٌ مُشَاهَدٌ بِالْأَعْيُنِ مُمَاسٌّ بِالْأَجْسَادِ بِالْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ، وَهَذَا بِحَسَبِ الْمُبَالَغَةِ التَّامَّةِ في إنكار الحق.