آخِرِهِ، دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَجَاءَتْ جُمَلُهُ بِلَا وَاوِ عَطْفٍ، كَأَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ أَنُشِئَتْ مُسْتَقِلَّةً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَبِطًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ سُؤَالَهُمْ: هَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا؟ إِنَّمَا كَانَ لِجَزَعِهِمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ فَقَالُوا ذَلِكَ: سَوَّوْا بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي عِقَابِ الضَّلَالَةِ الَّتِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهَا، يَقُولُونَ: مَا هَذَا الْجَزَعُ وَالتَّوْبِيخُ، وَلَا فَائِدَةَ فِي الْجَزَعِ كَمَا لَا فَائِدَةَ فِي الصَّبْرِ. وَلَمَّا قَالُوا: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ، أَتْبَعُوا ذَلِكَ بِالْإِقْنَاطِ مِنَ النَّجَاةِ فَقَالُوا: مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ: أَيْ مَنْجًى وَمَهْرَبٍ، جَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا. وَقِيلَ: سَوَاءٌ عَلَيْنَا مِنْ كَلَامِ الضُّعَفَاءِ وَالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وَالتَّقْدِيرُ: قَالُوا جَمِيعًا سَوَاءٌ عَلَيْنَا يُخْبِرُونَ عَنْ حَالِهِمْ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمُحَاوَرَةَ بَيْنَ الضُّعَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ هِيَ فِي مَوْضِعِ الْعَرْضِ وَقْتَ الْبُرُوزِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ زَيْدٍ: أَنَّ قَوْلَهُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا، بَعْدَ صَبْرِهِمْ فِي النَّارِ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَبَعْدَ جَزَعِهِمْ مِثْلَهَا.

وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مُحَاوَرَةَ الْأَتْبَاعِ لِرُؤَسَائِهِمُ الْكَفَرَةِ، ذَكَرَ مُحَاوَرَةَ الشَّيْطَانِ وَأَتْبَاعِهِ مِنَ الْإِنْسِ، وَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ الرُّؤَسَاءِ وَالشَّيَاطِينِ فِي التَّلَبُّسِ بِالْإِضْلَالِ. وَالشَّيْطَانُ هُنَا إِبْلِيسُ، وَهُوَ رَأْسُ الشَّيَاطِينِ.

وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: «أَنَّ الْكَافِرِينَ يَقُولُونَ: وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لهم فمن يشع لَنَا، فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ غَيْرُ إِبْلِيسَ هُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ، فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا، فَإِنَّكَ أَضْلَلْتَنَا، فَيَقُومُ فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِهِ أَنْتَنُ رِيحٍ شَمَّهُ أَحَدٌ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَكُمْ»

الْآيَةَ. وَعَنِ الْحَسَنِ: يَقِفُ إِبْلِيسُ خَطِيبًا فِي جَهَنَّمَ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نَارٍ يَسْمَعُهُ الْخَلَائِقُ جَمِيعًا فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، يَعْنِي: الْبَعْثَ، وَالْجَنَّةَ، وَالنَّارَ، وَثَوَابَ الْمُطِيعِ، وَعِقَابَ الْعَاصِي، فَصَدَقَكُمْ وَعْدَهُ، وَوَعَدْتُكُمْ أَنْ لَا بَعْثٌ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، فَأَخْلَفْتُكُمْ. قُضِيَ الْأَمْرُ تَعَيَّنَ قَوْمٌ لِلْجَنَّةِ وَقَوْمٌ لِلنَّارِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمَوْقِفِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ أَوْ بَعْدَ حُصُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ الطَّبَرِيِّ. وَقِيلَ: قُضِيَ الْأَمْرُ قطع وفرغ مِنْهُ، وَهُوَ الْحِسَابُ، وَتَصَادَرَ الفريقين إلى مقربهما. وَوَعْدُ الْحَقِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015