الْكِسَائِيُّ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامَيْنِ فِي الْعَنْكَبُوتِ، وَأَمَّا فِي النَّمْلِ فَعَلَى أَصْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ نُونًا فَقَرَأَ:
إِنَّنَا لَمُخْرَجُونَ (?) وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِجَعْلِ الْأَوَّلِ خَبَرًا، وَالثَّانِي اسْتِفْهَامًا، إِلَّا فِي النَّمْلِ وَالنَّازِعَاتِ فَعَكْسٌ، وَزَادَ فِي النَّمْلِ نُونًا كَالْكِسَائِيِّ. وَإِلَّا فِي الْوَاقِعَةِ فَقَرَأَهُمَا بِاسْتِفْهَامَيْنِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ بَاقِي السَّبْعَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، إِلَّا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا قَرَأَ فِي الْعَنْكَبُوتِ بِالْخَبَرِ فِي الْأَوَّلِ وَبِالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي، وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي اجْتِمَاعِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَحْقِيقٍ وَفَصْلٍ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَرْكِهِ. وَقَوْلُهُمْ: فَعَجَبٌ، هُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرِ صِفَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ الْمَعْنَى بِمُطْلَقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِهِ وَتَقْدِيرُهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: فَعَجَبٌ أَيْ عَجَبٌ، أَوْ فَعَجَبٌ غَرِيبٌ. وَإِذَا قَدَّرْنَاهُ مَوْصُوفًا جَازَ أَنْ يُعْرَبَ مُبْتَدَأً لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِيهَا مُسَوِّغُ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْوَصْفُ، وَقَدْ وَقَعَتْ مَوْقِعَ الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْخَبَرِ مَعْرِفَةً ذَلِكَ. كَمَا أَجَازَ سِيبَوَيْهِ ذَلِكَ فِي كَمْ مَالِكٍ؟ لِمُسَوِّغِ الِابْتِدَاءِ فِيهِ وَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ، وَفِي نَحْوِ: اقْصِدْ رَجُلًا خَيْرٌ مِنْهُ أَبُوهُ، لِمُسَوِّغِ الِابْتِدَاءِ أَيْضًا، وَهُوَ كَوْنُهُ عَامِلًا فِيمَا بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَقِيلَ عَجَبٌ بِمَعْنَى مُعَجَّبٍ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ قَوْلُهُمْ بِهِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَجَازَهُ لَا يجوز، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي الْعَمَلِ كَحُكْمِهِ، فَمُعَجَّبٌ يَعْمَلُ، وَعَجَبٌ لَا يَعْمَلُ. أَلَا تَرَى أَنَّ فِعْلًا كَذَبَحَ، وَفِعْلًا كَقَبَضَ، وَفُعْلَةً كَغُرْفَةٍ، هِيَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَلَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ، فَلَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذَبَحَ كَبْشَهُ، وَلَا بَرَجُلٍ قَبَضَ مَالَهُ، وَلَا بَرَجُلٍ غَرَفَ مَاءَهُ، بِمَعْنَى مَذْبُوحٍ كَبْشُهُ وَمَقْبُوضٍ مَالُهُ وَمَعْرُوفٍ مَاؤُهُ. وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ تَنُوبُ فِي الدَّلَالَةِ لَا فِي الْعَمَلِ عَنِ الْمَفْعُولِ. وَقَدْ حَصَرَ النَّحْوِيُّونَ مَا يَرْفَعُ الْفَاعِلَ، والظاهر أن أءذا مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِمْ مَحْكِيٌّ بِهِ. وقال الزمخشري: أءذا كُنَّا إِلَى آخِرِ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِمْ انْتَهَى. هَذَا إِعْرَابٌ مُتَكَلَّفٌ، وَعُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ. وإذا مُتَمَحِّضَةٌ لِلظَّرْفِ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ، فَالْعَامِلُ فِيهَا مَحْذُوفٌ يُفَسِّرُهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ وَتَقْرِيرُهُ: أَنُبْعَثُ، أَوْ أَنُحْشَرُ. أُولَئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى قَائِلِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ، وَهُوَ تَقْرِيرٌ مُصَمَّمٌ عَلَى إِنْكَارِ الْبَعْثِ، فَلِذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ إِذْ عجزوا قدرته عن إِعَادَةِ مَا أَنْشَأَ وَاخْتَرَعَ ابْتِدَاءً. وَلَمَّا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا ذَكَرَ ما يؤولون إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى سَبِيلِ الْوَعِيدِ، وَأَبْرَزَ ذَلِكَ فِي جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مُشَارٌ إِلَيْهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَغْلَالَ تَكُونُ حَقِيقَةً فِي أَعْنَاقِهِمْ كَالْأَغْلَالِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ