الَّذِي تَضَمَّنَ قَصَصَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِ حَدِيثًا يُخْتَلَقُ، وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيقَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَاقِعٍ لِيُوسُفَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى قَصَصِ يُوسُفَ، أَوْ كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلِهِ فِي الشَّرِيعَةِ إِنْ عَادَ عَلَى الْقُرْآنِ.
وَقَرَأَ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيُنَ، وَعِيسَى الْكُوفِيُّ فِيمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْلَوَامِحِ، وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَصْدِيقٌ وَتَفْصِيلٌ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ بِرَفْعِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ: وَلَكِنْ هُوَ تَصْدِيقٌ، وَالْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ كَانَ أَيْ: وَلَكِنْ تَصْدِيقَ أَيْ: كَانَ هُوَ، أَيِ الْحَدِيثُ ذَا تَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ. وَيُنْشِدُ قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:
وَمَا كَانَ مَالِي مِنْ تُرَابٍ وَرِثْتُهُ ... وَلَا دِيَةٍ كَانَتْ وَلَا كَسْبِ مَأْثَمِ
وَلَكِنْ عَطَاءُ اللَّهِ مِنْ كُلِّ رِحْلَةٍ ... إِلَى كُلِّ مَحْجُوبِ السَّوَارِقِ خِضْرِمِ
بِالرَّفْعِ فِي عَطَاءُ وَنَصْبِهِ أَيْ: وَلَكِنْ هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ، أَوْ وَلَكِنْ كَانَ عَطَاءَ اللَّهِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ لُوطِ بْنِ عُبَيْدٍ الْعَائِيِّ اللِّصِّ:
وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا مَالَ مُسْلِمٍ ... أَخَذْتُ وَلَا مُعْطِيَ الْيَمِينَ مُحَالِفٌ
وَلَكِنْ عَطَاءُ اللَّهِ مِنْ مَالِ فَاجِرٍ ... قَصِيِّ الْمَحَلِّ مُعْوِرٍ لِلْمُقَارِفِ
وَهُدًى أَيْ سَبَبُ هِدَايَةٍ فِي الدُّنْيَا، وَرَحْمَةً أَيْ: سَبَبٌ لِحُصُولِ الرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَةِ. وَخُصَّ الْمُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (?) وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (?) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (?) وَفِي آخِرِهَا: مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى إِلَى آخِرِهِ، فَلِذَلِكَ احْتَمَلَ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَعُودَ عَلَى الْقَصَصِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.